‫«�أَ‬ ‫مل�سيحيون‬ ‫ّ‬ ‫العربية»‬ ‫يف اجلزيرة‬ ‫ّ‬

‫ ‬

‫(من القرن الرابع حتى القرن الثالث ع�رش م)‬

‫«الكنوز املخ ّب�أة والتاريخ املطمو�س»‬

‫‪-1-‬‬

‫حقوق الطبع والن�رش والتوزيع حمفوظة للم�ؤلف‬ ‫اخلوري جوزف �ضو �ضو‬ ‫‬‫تلفون ‪:‬‬ ‫�إن املراجع الكتابيّة م�أخوذة من الكتاب املق ّد�س‬ ‫طبعة جمعيّة الكتاب املق ّد�س‬ ‫طبعة �أوىل‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪-2-‬‬

‫"�صورة الغالف‪"(((...‬‬ ‫شرح ومعاني‬ ‫ال�سعودية‪،‬‬ ‫�إنها كني�سة "اجلبيل الأثرية" يف‬ ‫ّ‬ ‫وهي كانت مطمو�سة و�سط الكثبان الرملية‪،‬‬ ‫حدد علماء الآثار �أن ت�أ�سي�سها يعود �إىل القرن الرابع ميالدي‪...‬‬ ‫وقد ّ‬ ‫وقد تكون واحدة من �أقدم الكنائ�س التي بنيت يف تاريخ امل�سيحية‪،‬‬ ‫لأنه قبل �أوا�سط القرن الرابع ميالدي‪،‬‬ ‫مل تكن قد بنيت بعد يف كل االمرباطورية الرومانية �أي كني�سة‪،‬‬ ‫بال�رس‪...‬‬ ‫لأن امل�سيحيني كانوا م�ضطهدين وموجودين‬ ‫ّ‬ ‫وهي كني�سة ن�سطورية‪...‬‬ ‫�صخرية عند املدخل‪،‬‬ ‫ما زالت فيها عدة �صلبان‬ ‫ّ‬ ‫وعلى الأعمدة الداخلية‪...‬‬ ‫"�أما من وجدها؟ و�أين؟"‬ ‫وجدها بطريق ال�صدفة رجل �أمريكي وزوجته‪،‬‬ ‫بعد �أن انحرفت �سيارتهما خارج الطريق‪،‬‬ ‫فالحظا �أنه حتت الدواليب توجد �أحجار وبناء‪...‬‬ ‫ومب�ساعدة عدد من العمال الأجانب العاملني يف قطاع النفط‪،‬‬ ‫اكت�شفا �أن البناء هو كني�سة ب�سبب ال�صلبان املوجودة على �أعمدتها ويف داخلها‪...‬‬ ‫و�إن املنطقة التي اكت�شفت فيها هذه الكني�سة‪،‬‬ ‫�أي �ضواحي مدينة اجلبيل‪ ،‬التي تقع يف �رشق ال�سعودية حالياً‪...‬‬ ‫((( ‪Google - Saudi Arabia›s Christian Legacy - Historical Jubail‬‬

‫وكانت تقع قبل جميء اال�سالم �ضمن النطاق اجلغرايف‬ ‫ملا ُعرف مبنطقة "بيت قطرايي" يف ال�رسيانية‬ ‫�أو "القطر البحري" بالعربية‪...‬‬ ‫وهي منطقة كانت متتد م�ساحتها اجلغرافية من الكويت �رشقاً‪،‬‬ ‫ال‪،‬‬ ‫ال �إىل االح�ساء (يف ال�سعودية حالياً) �شما ً‬ ‫و�صو ً‬ ‫وحتى �أق�صى (�سلطنة) عمان غرباً‪...‬‬ ‫المة العربي امل�سيحي والقطري‪،‬‬ ‫و�إن القدي�س �إ�سحق الع ّ‬ ‫الذي عا�ش يف القرن ال�سابع ميالدي‪،‬‬ ‫واملعروف بال�رسياين كونه كتب بال�رسيانية‪...‬‬ ‫والذي كان ميلك موهبة فريدة يف الكتابة عن املوا�ضيع الروحية امل�سيحية‪،‬‬ ‫مر الأجيال‪...‬‬ ‫وهو من �أكرب املعلمني الروحيني يف ال�رشق والغرب على ّ‬ ‫كان ينتمي �إىل هذه املنطقة اجلغرافية كما �سرنى‪،‬‬

‫وال�شيق‪...‬‬ ‫�ضعت �صورة هذه الكني�سة كغالف لهذا الكتاب الفريد‬ ‫وقد َو َ‬ ‫ّ‬ ‫رمز ًا لتاريخ عربي م�سيحي قدمي ومطمو�س‪،‬‬

‫الردة‪...‬‬ ‫عرفته اجلزيرة العربية حتى فرتة الحقة حلروب ّ‬ ‫حية و�رسية‪،‬‬ ‫ولأ�شري �إىل واقع تواجد كني�سة ّ‬

‫يف ال�سعودية وباقي مناطق اخلليج العربي حالياً‪...‬‬ ‫فلله الواحد املثلث ال�صفات‪،‬الآب والكلمة والروح‪،‬‬ ‫كل العبادة وال�شكر على عمله اخلفي‪� ...‬آمني‬ ‫‪-4-‬‬

‫‪y‬‬ ‫�صورة الغالف‪� :‬رشح ومعاين ‬

‫‪3‬‬

‫«كلمة امل�ؤ ّلف»‪ ...‬‬

‫‪8‬‬

‫امل�سيحية يف اجلزيرة العربية منذ القرن الأول للميالد ‬ ‫ّ‬

‫‪10‬‬

‫امل�سيحية يف احلجاز ‬ ‫ّ‬

‫‪15‬‬

‫م�سيحية قبائل جند ‬ ‫ّ‬

‫‪17‬‬

‫معركة اليمامة ‪ -‬جنوب جند (�سنة ‪ 11‬هجرية) ‬

‫‪21‬‬

‫قبيلة كندة يف جند ‬

‫‪22‬‬

‫التوحيد يف الكعبة يف �أيام ملوك جرهم (القرن الثاين والثالث للميالد) ‬

‫‪26‬‬

‫مكةحتى جميء الإ�سالم» ‬ ‫«امل�سيحية يف ّ‬ ‫ّ‬

‫‪32‬‬

‫�إنت�شار امل�سيحية الن�سطورية ‬

‫‪40‬‬

‫ورقة بن نوفل والراهب بحرياء ‬

‫‪40‬‬

‫«علي بن �أبي طالب وناقو�س �ألدير» ‬

‫‪43‬‬

‫«الروح القد�س» «الهادي الأعظم» ‬

‫‪45‬‬

‫الأمري روح �ألقري�شي �إبن عم اخلليفة هارون الر�شيد ‬

‫‪52‬‬

‫‪-5-‬‬

‫القدي�س �أنطونيو�س �ألقري�شي – ‪800‬م ‬

‫‪52‬‬

‫جنران ‪� -‬أر�ض �أهل اخلري والقدا�سة ‬

‫‪58‬‬

‫أمل�سيحية يف جنران ‬ ‫�‬ ‫ّ‬

‫‪60‬‬

‫غنى �أهل جنران قبل جميء الإ�سالم ‬

‫‪64‬‬

‫مذبحة جنران (�سنة ‪ 523‬م) ‬

‫‪67‬‬

‫«كــعبة جنران» ‬

‫‪69‬‬

‫حممد مل�سيحيي جنران ‬ ‫عهد ّ‬

‫‪70‬‬

‫«القدي�س فيميون واخلليفة عمر‪ »...‬‬

‫‪71‬‬

‫تهجري �أهل جنران ‬

‫‪73‬‬

‫م�صري م�سيحيي جنران الأ�سود ‬

‫‪74‬‬

‫امل�سيحية �إىل بالد اليمن ‬ ‫دخول‬ ‫ّ‬

‫‪80‬‬

‫«كنائ�س اليمن القدمية» ‬

‫‪84‬‬

‫«احلقيقة ال�ضائعة» ‬

‫‪87‬‬

‫امل�سيحية يف جزيرة �سقطرى اليمنية (حتى القرن ‪ )16‬‬

‫‪98‬‬

‫املهرية ‬ ‫ذكر ن�سبة‬ ‫ّ‬

‫‪99‬‬

‫امل�ســيحيـة يف قـطـــر ‬ ‫ّ‬

‫‪101‬‬

‫قدي�س عظيم من قطر ‬ ‫ّ‬

‫‪103‬‬ ‫‪-6-‬‬

‫ِ‬ ‫دف‪� ...‬أم ِرفقة من الروح القد�س؟!‪ »..‬‬ ‫«�ص ٌ‬

‫‪104‬‬

‫«من كتابات القدي�س �إ�سحق ‪� -‬إبن بيت قطرايي – قطر» ‬

‫‪114‬‬

‫امل�سيحية يف ُعمان القرن الثالث م ‬ ‫ّ‬

‫‪119‬‬

‫امل�سيحية يف البحرين ‬

‫‪121‬‬

‫�أ�سباب جناح الغزو الإ�سالمي للبحرين ‬

‫‪128‬‬

‫العربية والبدع قبل الإ�سالم ‬ ‫اجلزيرة‬ ‫ّ‬

‫‪132‬‬

‫العــبـــادة احلـ ّقــة لـ ّلــه ‬

‫‪139‬‬

‫�صفات الله‪ :‬الوجود والكلمة والروح بح�سب �أئمة املف�سرّ ين امل�سلمني ‬

‫‪142‬‬

‫الإمام الغزايل والتثليث امل�سيحي ‬

‫‪143‬‬

‫التب�شري امل�سيحي يف اخلليج العربي‬ ‫من �أواخر القرن التا�سع ع�رش حتى القرن الواحد والع�رشين ‬

‫‪147‬‬

‫املهتدون �إىل امل�سيحية يف ال�سعودية ودول اخلليج العربي ‬

‫‪149‬‬

‫«�ألتب�شري اجلديد» ‬

‫‪158‬‬

‫«ر�ســـالة الــخــال�ص» ‬

‫‪160‬‬

‫«ما �أجمل �أقدام املب�شرّ ين‪ ،‬احلاملني ب�شارة اخلال�ص» ‬

‫‪167‬‬

‫الرب‪ ...‬‬ ‫�سماع �صوت‬ ‫ّ‬

‫‪175‬‬

‫‪-7-‬‬

‫«كلمة امل�ؤلّف»‪...‬‬ ‫وروحي‪� ،‬إخرتق عدد ًا من العوائق التي مرجعها‬ ‫هذا الكتاب هو فتح تاريخي‬ ‫ّ‬

‫أ�سطورية يف بع�ض جوانبها‪ ،‬لأنها حتمل وجهة نظر‬ ‫ت�صورات خاطئة وكتابات �‬ ‫ّ‬

‫�أحادية اجلانب‪ ،‬وتبغي طم�س حقيقة الوجود امل�سيحي يف �شبه اجلزيرة العربية‬ ‫متع�صبة‪�َ ،‬س َعت �إىل‬ ‫مع جميء اال�سالم كما �أنها موتورة لأنها �صادرة عن عقول‬ ‫ّ‬

‫مربرة ال�سبي واالخراج من‬ ‫قلب احلقائق و�إظهار عقيدتها مبظهر ال�صالح الوحيد‬ ‫ً‬ ‫احلق االلهي من كل هذا براء‪...‬‬ ‫وحز الرقاب‪ ،‬با�سم الله والدين‪ ،‬و�إن‬ ‫الديار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫وقوية اجلذور‪ ،‬كانت حتى هذه‬ ‫تاريخية نادرة‬ ‫مادة هذا الكتاب ت�ستند �إىل مادة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫امل�سيحيني العرب‪،‬‬ ‫وندرة من الك ّتاب‬ ‫ندرة من امل�ست�رشقني‬ ‫اللحظة معروفة من‬ ‫ّ‬

‫الذين ال يتجاوز عددهم عدد �أ�صابع اليد الواحدة‪ ...‬ملا يف الكتابة يف هذا املجال‬ ‫من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وندرة يف املراجع وخماطر‪...‬‬ ‫م�ضن‬ ‫بحث‬

‫العربية قبل‬ ‫امل�سيحيني العرب يف اجلزيرة‬ ‫يف كتابي هذا �س�ألقي ال�ضوء على حالة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ي�شكل مفاج�أة يف �سل�سلة هذه‬ ‫اال�سالم وبعده �أي لغاية القرن الثالث ع�رش‪ ...‬وما ّ‬

‫قوة هذه امل�صادر التي نب�شتها‪ ،‬وهي ت�ؤكد مدى‬ ‫الكتب التاريخية التي كتبتها‪ ،‬هو ّ‬

‫امل�سيحية مع‬ ‫العربية وامل�صري الذي �آلت �إليه اجلماعات‬ ‫امل�سيحية يف اجلزيرة‬ ‫�إنت�شار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫م�سيحية‬ ‫الردة وعرب القرون الالحقة‪� ،‬إ�ضافة �إىل �إظهاري لوجود ممالك‬ ‫حروب ّ‬ ‫ّ‬

‫تامة مبجيئه‪ ،‬مملكة‬ ‫عربية يف اجلزيرة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية قبل الإ�سالم‪ ،‬وقد �أبيدت �إبادة ّ‬

‫كندة يف دومة اجلندل‪ ،‬مملكة كندة يف ح�رضموت‪ ،‬مملكة الغ�سا�سنة يف ال�شام‬ ‫ومملكة املناذرة يف العراق‪...‬‬

‫‪-8-‬‬

‫م�سيحي‬ ‫أحرك يف �ضمري كل‬ ‫ال�شيق‬ ‫واملن�سي‪ ،‬لكي � ّ‬ ‫و�إين �أكتب يف هذا املجال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إميانية‪� ،‬أل�شوق للتب�شري بامل�سيح وال�سعي �إىل ن�رش‬ ‫عربي وكل باحث عن احلقيقة ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫وخا�صة يف اجلزيرة‬ ‫احلقيقي‪ ،‬املث ّلث ال�صفات‪ ،‬الله والكلمة والروح‪،‬‬ ‫معرفة الله‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫العربي‪...‬‬ ‫العربية‪ ،‬وبالد امل�رشق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫قوة وقدرة‬ ‫و�إين على ثقة ب�أن الروح القد�س‪ ،‬الإله من �إله‪ ،‬والذي يعمل بكل ّ‬

‫وخا�صة يف بالد الت�صحر واجلدب الروحي‪� .‬سيو�صل هذا الكتاب كما �أو�صل‬ ‫ً‬ ‫اخلدام وامل�ؤمنني الغيورين على بيت‬ ‫كتبي الروحية والتاريخية ال�سابقة من خالل ّ‬ ‫وال�سعودية والكويت وفل�سطني والأردن و�سوريا والعراق‬ ‫الرب‪� ،‬إىل بالد اليمن‬ ‫ّ‬

‫وم�رص وفرن�سا وال�سويد وبلجيكا والواليات املتحدة و�أو�سرتاليا ونيوزيلندة وحول‬

‫العامل ك ّله بطرقه الأغرب من اخليال‪...‬‬

‫فلله والكلمة والروح الإله الواحد احلقيقي‪...‬‬ ‫كل العبادة وال�سجود �إىل الأبد‪...‬‬ ‫خادم الرب‬

‫اخلوري جوزيف �ضو‬ ‫‪� 19‬آذار ‪2014‬‬

‫‪-9-‬‬

‫تاريخ امل�سيح ّية يف اجلزيرة العرب ّية‬ ‫منذ القرن الأول للميالد‬

‫العربية وبني �أطرافها‪،‬‬ ‫العربية يف داخل اجلزيرة‬ ‫امل�سيحية بني القبائل‬ ‫�إنت�رشت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫(((‬ ‫المة مار افرام ال�رسياين‬ ‫املتويف �سنة ‪ 373‬م‬ ‫منذ القرن الأول ميالدي‪ .‬ف�إن الع ّ‬ ‫ّ‬

‫عمده الر�سول فيلب�س» (�أعمال‬ ‫ومار يعقوب الرهاوي ي� ّؤكدان � ّأن‬ ‫«اخل�صي الذي ّ‬ ‫ّ‬

‫الر�سل ‪ )40 – 26 /8‬كان وزير ًا مللكة �سب�أ((( ال ملكة احلب�شة‪ ،‬وبالد �سب أ� هي‬

‫بالد اليمن‪ ،‬وعرفت �أي�ض ًا عرب التاريخ بـ «الهند»(((‪ ،‬و»احلب�شة» ال�ستيالء ملوك‬ ‫�سمى امل�ؤرخون القدماء ال�شعوب الداكنة اللون يف‬ ‫احلب�شة عليها ّ‬ ‫ملدة طويلة‪ ،‬فقد ّ‬

‫العربية بالهنود‪ ،‬وهذا ما نراه عند القدي�س �إيرونيمو�س الذي‬ ‫جنوب اجلزيرة‬ ‫ّ‬ ‫ي�سمي رهبان اليمن‪« ،‬برهبان الهند»‪...‬‬ ‫ّ‬

‫وما يلفت النظر لدى الباحث يف تاريخ املمالك القدمية التي تواجدت يف و�سط‬ ‫اجلزيرة العربية وجنوبها‪ّ � ،‬أن مملكة ِكندة قامت بني مملكة �سب�أ (�أو ِح َمري) ومملكة‬ ‫ال �إىل تخوم‬ ‫امتدت من حدود جنران لتملك على احلجاز و�صو ً‬ ‫املناذرة‪ ،‬والتي ّ‬ ‫ق�سم منها موجود ًا‬ ‫احلرية‪ .‬و�إن هذه اململكة الكندية كانت قائمة قبل امليالد وقد ّ‬ ‫ظل ٌ‬ ‫الردة‪ .‬فاملراجع اال�سالمية كامل� ّؤرخ �إبن الأعثم (القرن ‪ )10‬ت�شري‬ ‫لغاية حروب ّ‬

‫مت الق�ضاء عليها من‬ ‫�إىل � ّأن مملكة كندة التي كانت قائمة يف ح�رضموت (اليمن) ّ‬

‫خالل جي�ش امل�سلمني بقيادة عالء احل�رضمي �سنة ‪ 634‬م‪� ،‬أما مملكة كندة املتواجدة‬

‫يف دومة اجلندل يف �شمال اجلزيرة العربية فقد ق�ضى عليها خالد بن الوليد �سنة‬ ‫امل�سيحية‪.‬‬ ‫‪ 636‬م‪ ،‬و� ّإن ملوك هذه املمالك و�سكانها كانوا ك ّلهم يدينون بالديانة‬ ‫ّ‬

‫((( مار افرام يف ميمر الل�ؤل�ؤة‪.‬‬ ‫((( كتاب الدرر النفي�سة – �ص ‪.212 – 211‬‬ ‫((( هكذا سمّاها أوسابيوس القيصري في تاريخه الكنسي ‪.10 /5‬‬

‫‪-10-‬‬

‫الغربيون((( وجود مملكة كندة يف فرتة‬ ‫وقد �أثبت علماء الآثار وامل�ست�رشقون‬ ‫ّ‬

‫علو �ش�أنها ومدى ح�ضارتها وارتباطها بعالقات جتارية‬ ‫�سابقة للميالد‪ ،‬و� ّأكدوا ّ‬

‫�سيا�سية مع االمرباطورية الرومانية‪ ،‬وبدء ًا من القرن الرابع مع‬ ‫ومعاهدات‬ ‫ّ‬ ‫امل�سيحية‪ ،‬وي�ؤكدون � ّأن امللوك الكنديني وقبائلهم يف معد‬ ‫االمرباطورية البيزنطية‬ ‫ّ‬ ‫امل�سيحية‪.‬‬ ‫وجند وح�رضموت دانوا بالديانة‬ ‫ّ‬ ‫بالعربية‬ ‫�سميت‬ ‫ّ‬ ‫والغريب يف الأمر � ّأن علماء الآثار وجدوا � ّأن مملكة كندة ّ‬ ‫كندة‪� ،‬أما يف الرقوم الأثرية املكتوبة باللغة ال�سبئية ِ‬ ‫(احل َمريية) فقد ُ�س ّميت مملكة‬ ‫ّ‬

‫«كدت»‪ ،‬فهل ُيعقل � ّأن ُلقب «كنداكة» الوارد يف �أعمال الر�سل «كنداكة» (�أعمال‬ ‫ّ‬

‫‪« ...)27 /8‬ملكة احلب�شة» والذي ال يعرف علماء اللغات حتديده‪ ،‬هل هو لقب‬ ‫وال�سبئية‪« ..‬كندا – ِك ّدت»‪ ،‬مع‬ ‫�أم �إ�سم علم؟ �أن يكون جمع للت�سميتني العربية‬ ‫ّ‬ ‫الإ�شارة �إىل � ّأن ملوك كندة حكموا �أي�ض ًا ق�سم ًا من اليمن (و�صاهروا ملوكها) التي‬ ‫اليونانية التي ا�ستعملها القدي�س لوقا‬ ‫ُل ّقبت باحلب�شة‪ ،‬فهل ُيعقل � ّأن كلمة «كنداكت»‬ ‫ّ‬ ‫�سوية اللذين ُعرفت بهما مملكة‬ ‫كاتب �أعمال الر�سل هي ت�صغري �أو جمع للإ�سمني‬ ‫ً‬ ‫«كندة – ِك ّدت(((»‪.‬‬ ‫اخل�صي كبرية‬ ‫فر�ضي حم�ض؟ ل ّأن ثقافة‬ ‫�إ ّنني �أطرح هذا الت�سا�ؤل وب�شكل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والكنديون عرفوا بثقافتهم وعلمهم‪ ،‬ومثالنا يف ذلك �أمر�ؤ القي�س والأمري عبد‬ ‫ّ‬

‫غزة وهي مقفرة»‬ ‫امل�سيح الكندي‪ ،‬والطريق التي اتخذها «من �أور�شليم �إىل ّ‬ ‫(�أعمال الر�سل ‪ )26/8‬ت�شري �إىل الطريق التجارية والدولية التي كانت تعرب من‬ ‫غزة (الواقعة يف االمرباطورية الرومانية) باجتاه و�سط اجلزيرة العربية حيث‬ ‫ّ‬

‫((( أنظر ما كتبته المستشرقة الروسية نينا فيكتورفنا بيغوليفسكيا في كتابها ألعرب على حدود بيزنطة وإيران‬ ‫من القرن الرابع إلى القرن السادس الميالدي – وهذا الكتاب – المرجع التاريخي "الثقة" – أشرف على‬ ‫طبعه قسم التراث العربي في المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب لدولة الكويت‪ .‬وأيضاً كتاب ملوك‬ ‫كندة للمستشرق السويدي ج‪ .‬اولندر‪.‬‬ ‫((( أنظر كتاب العرب على حدود بيزنطة وإيران – ص ‪.177‬‬

‫‪-11-‬‬

‫تقع مدينة الفاو عا�صمة مملكة كندة‬

‫(((‬

‫(والتي اكت�شفها امل�ست�رشق وعامل الآثار‬

‫جون فيلبي �سنة ‪ ،1908‬وهي بطول ‪ 1700‬مرت وعر�ض ‪ 700‬مرت‪ ،‬وهي‬

‫م�سيحية و�أبنية تتجاوز الطوابق ال�ست بح�سب ت�صوير‬ ‫ت�ضم ق�رص امللك ومعابد‬ ‫ّ‬

‫الأقمار اال�صطناعية مع العلم �أن ال�سلطات ال�سعودية منعت التنقيب عن هذه املدينة‬ ‫املطمورة‪� ،‬أنظر وانده�ش �إىل الفيلم الوثائقي الذي و�ضعته دائرة الآثار يف جامعة‬

‫امللك �سعود الريا�ض بعد �أن منعتها ال�سلطات ال�سعودية من اكمال عمليات التنقيب‬

‫فيها – ‪ – Youtube‬الفاو عا�صمة مملكة كندة) وبالقرب منها تقع مدينة جنران‬ ‫الردة‬ ‫التاريخية التي كانت مركز ًا �صناعي ًا وديني ًا م�سيحي ًا مزدهر ًا لغاية حروب ّ‬ ‫حيث قام عمر بن اخلطاب بتهجري غالبية �سكانها �إىل العراق وال�شام �سنة ‪ 635‬م‬ ‫ومنها كانت تكمل القوافل التجارية �سريها باجتاه اجلنوب‪.‬‬ ‫امل�سيحية يف مملكة كندة التي ب�سطت �سلطتها من حدود جنران‬ ‫وما ي� ّؤكد انت�شار‬ ‫ّ‬

‫ال �إىل احلرية عا�صمة مملكة املناذرة هو‬ ‫غرب ًا مرور ًا مبنطقة جند (احلجاز) و�صو ً‬

‫ما ذكره امل�ؤرخ ال�شهري �أبي جعفر حممد بن جرير الطربي (املتويف �سنة ‪ 310‬هـ)‬ ‫يف كتابه تاريخ الر�سل وامللوك‪� ،‬إذ يقول‪:‬‬

‫�سيد كندة يف زمانه‪ ...‬وكان ذا‬ ‫«(امللك) عمرو بن حجر الكندي‪ ،‬كان ّ‬ ‫ر�أي ونبل (�أي �أنه يتخلّق ب�أخالق االجنيل املقد�س)‪ ،‬وكان – فيما ذكروا –‬ ‫على دين الن�رصانية الأوىل (�أي كان ي�ؤمن ب�إميان الكني�سة اجلامعة)‪ ،‬وكان‬

‫ُي�رس ذلك من قومه‪.(((»..‬‬

‫«ي�رس‪ ...‬قومِ ه»‪..‬‬ ‫وهكذا ندرك � ّأن ُ‬ ‫�أي � ّأن غالبية ال�شعب يف منطقة جند واحلجاز‬ ‫كانوا على دين الن�رصانية الأوىل‪...‬‬

‫متر عرب الفاو فنجران‪ ،‬فعدن ولي�س �إىل احلب�شة‪� ،‬أي مملكة �إيك�سوم‪.‬‬ ‫((( فطريق القوافل كانت ّ‬ ‫((( الطربي تاريخ الر�سل وامللوك – جزء ‪� – 2‬ص ‪ – 92‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪-12-‬‬

‫�أما يف �أي زمن؟‬

‫امتد حكم ه�ؤالء امللوك الكنديون امل�سيحيون؟‬ ‫و�إىل �أين ّ‬

‫فالطربي ي�شري �إىل � ّأن ُملك امللك احلارث �إبن امللك عمرو الكندي امل�سيحي‪،‬‬ ‫امتد‪�« :‬إىل بالد معد (و�سط احلجاز) واحلرية وما واالها»‬ ‫قد ّ‬

‫(((‬

‫(�أي �إىل البحرين التي كانت متتد يومها من منطقة االح�ساء �رشق ال�سعودية‬

‫ال �إىل الكويت والبحرين واالمارات وقطر ومازون �أي عمان)‪.‬‬ ‫حالياً‪ ،‬و�صو ً‬ ‫واملثري يف الأمر‪ّ � ،‬أن الطربي يذكر �أي�ض ًا الزمن التاريخي الذي كان فيه ملوك‬

‫«وي�رس من قومهم» �أي �أن‬ ‫كندة ّ‬ ‫حكام ًا على احلجاز وعلى دين امل�سيحية‪ُ ,‬هم ُ‬

‫غالبية �شعبهم كانوا م�سيحيني‪� ،‬إذ ي�شري �إىل‪ّ �« :‬أن امللك حارث بن عمرو بن حجر‬

‫(م َلك على) بالد معد واحلرية وما واالها يف زمن (امللك الفار�سي) بهرام‬ ‫الكندي َ‬

‫(اخلام�س) بن يزدجرد الأول»(((‪.‬‬

‫حددها عامل الآثار ال�شهري‬ ‫وبالعودة �إىل قائمة ملوك ال�سا�سانيني (الفر�س) التي ّ‬

‫�سيدين �سميث )‪ ، )Sidney Smith‬جند � ّأن «امللك بهرام اخلام�س بن يزدجرد الأول‬ ‫قد حكم �سنة ‪420‬م»(‪.((1‬‬

‫وهكذا ن�صل �إىل حقيقةٍ‬ ‫تاريخيةٍ مطمو�سة‪ ،‬وجمهولة وهي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وي�رس قومهم يف احلجاز (ال�سعودية حالياً)‬ ‫� ّأن ملوك كندة ُ‬ ‫واليمن وح�رضموت‬

‫كانوا قد اعتنقوا الديانة امل�سيحية قبل القرن الرابع بكثري‪..‬‬ ‫� ّإن يف كل ما ذكرت من ت�سا�ؤالت‪ ،‬وما وجدناه من حقائق مذهلة‪،‬‬ ‫((( املرجع نف�سه – �ص ‪.93 – 92‬‬ ‫((( تاريخ الطربي‪ ،‬تاريخ الر�سل وامللوك – اجلزء الثاين – ق�ص�ص امللوك – �ص ‪ – 93‬دار الفكر‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬كتاب العرب على حدود بيزنطة و�إيران – للم�ست�رشقة الرو�سية نينافيكتورفنا بيغوليف�سكيا – �ص ‪– 148‬‬ ‫ترجمة �صالح الدين عثمان ها�شم – طباعة ق�سم الرتاث العربي يف املجل�س الوطني للثقافة – دولة الكويت‪.‬‬

‫‪-13-‬‬

‫دالئل ت�شري �إىل مدى انت�شار الديانة امل�سيحية يف و�سط اجلزيرة العربية‬ ‫وبالد اليمن واحلرية وما واالها (�أي منطقة البحرين)‬ ‫يف فرتة �سابقة للقرن الرابع بكثري‪.‬‬

‫�أ�ضف �إىل ذلك وجوب �أخذنا بعني االعتبار حقيقة � ّأن اجلزيرة العربية مل تكن‬

‫اخلارجية‪� ،‬سواء عن طريق التب�شري بدخول‬ ‫�أي�ض ًا مبعزل عن التيارات الفكرية‬ ‫ّ‬

‫الن�ساك والرهبان الذين انت�رشت �صوامعهم يف قلب ال�صحراء‪� ،‬أوعن طريق‬

‫وغ�سان‪...‬‬ ‫التجار ال�رسيان والبيزنطيني‪� ،‬أو بحكم اجلرية مع عرب احلرية‬ ‫ّ‬

‫فر من �إ�ضطهاد �أباطرة الرومان‬ ‫�أ�ضف �إىل ذلك �أن ال�صحراء كانت ملج�أ ملن ّ‬

‫أمرين �إىل �أن ا�ستلم احلكم االمرباطور‬ ‫الوثنيني‪ ،‬الذين عانى منهم‬ ‫امل�سيحيون ال ّ‬ ‫ّ‬

‫امل�سيحية دين االمرباطورية الرومانية �سنة ‪ 332‬م‪ ،‬ولكن مع‬ ‫ق�سطنطني و�أعلن‬ ‫ّ‬

‫تعاظم املعارك املتواترة والغزوات التي كان ي�شنها الفر�س على بيزنطة ون�شوء‬ ‫البدعة الن�سطورية‪ ،‬وجد الفر�س يف الن�سطورية و�سيلة ملحاربة الكني�سة اجلامعة‪.‬‬

‫وي� ّؤكد امل�ؤرخ القدي�س �أبيفانيو�س هذه الوقائع فيقول‪(« :‬اجلزيرة) العربية‬

‫موطن �ألبدع» الهاربة من الدين امل�سيحي القومي الذي دانت به االمرباطورية‬ ‫الرومانية‪ ،‬فالكني�سة اجلامعة العاملية حافظت على وديعة الإميان ال�صحيح الذي‬ ‫ّ‬

‫ا�ستلمته من الكلمة الأزيل له املجد‪ ،‬بعد �أن �أعطاه �إىل الر�سول بطر�س وباقي‬

‫الر�سل والذين �أورثوه بدورهم و�س ّلموه �إىل الباباوات والبطاركة املتعاقبني‪.‬‬

‫امل�سيحية دخلت �إىل اجلزيرة‬ ‫ال�شيقة ميكننا القول �أن الديانة‬ ‫املقدمة‬ ‫بعد هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية منذ �أول ظهورها‪ ،‬لأن الكلمة الأزيل (نطق الله املتج�سد) له املجد كان‬

‫قد �أر�سل �إىل �أر�ض احلجاز �أحد ر�سله االثني ع�رش وهو القدي�س برثلماو�س(‪.((1‬‬ ‫برثلماو�س‪ :‬كلمة �آرامية مع نهاية يونانية للإ�سم‪" :‬بار" يعني �إبن‪ ،‬و"ثلما" ن�سبه‪ ،‬و"و�س" نهاية‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫يونانية للكلمة‪.‬‬

‫‪-14-‬‬

‫(‪((1‬‬ ‫عث من احلواريني‪� ...‬إبن ثلما‬ ‫«وب َ‬ ‫وهذا ما �أكدته ال�سرية النبوية لإبن ه�شام ‪ُ :‬‬

‫�إىل االعرابية وهي �أر�ض احلجاز»‪.‬‬

‫املقد�س‪،‬‬ ‫كما يخربنا بول�س الر�سول وهذا ما قد يفاجئ غري ّ‬ ‫املطلع على االجنيل ّ‬

‫ب� ّأن �أول ر�سالة قام بها‪ ،‬بعد ظهور امل�سيح عليه ودعوته له لتب�شري الأمم‪ ،‬هي يف‬

‫إعرابية (غالطية ‪ ،)17 /1‬ديار العرب من ال�شمال حتى احلجاز(‪.((1‬‬ ‫ال‬ ‫ّ‬

‫ت�صورات خاطئة‪:‬‬ ‫ّ‬

‫امل�سيح ّية يف احلجاز‬

‫العربية‬ ‫ال�سعودي �صالح الدين املختار يف كتابه «تاريخ �أململكة‬ ‫يقول الكاتب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ال�سعودية»‪:‬‬ ‫ّ‬

‫النجدية (منطقة جند) قبل مبعث النبي حممد ًا مقر ًا للجهل‬ ‫«لقد كانت الديار‬ ‫ّ‬ ‫وال�ضالل‪ ،‬وموطن ًا للجور والظلم‪ ،‬وم�رسح ًا للحروب والقتال والنهب وال�سبي‪.‬‬

‫حتى بعث الله النبي حممد‪ ،‬فن�رش الأمن وال�سالم واحلب والعدل يف �أرجاء‬

‫اجلزيرة‪ ،‬مبا للدين من �سطوة قاهرة‪ ،‬وا�ست�أ�صل ما يف هذه الديار املرتامية‬ ‫ووثنية و�إحلاد»‪.‬‬ ‫الأطراف من �رشك وكفر‬ ‫ّ‬

‫يف احلقيقة �إن ما ذكره هذا الكاتب‬

‫والدينية املغلوطة‪ ،‬القائلة‪:‬‬ ‫التاريخية‬ ‫يعبرّ عن ال�شائع من الأفكار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية قبل الإ�سالم‪ ،‬كانت �أر�ض ًا «بوراً»‬ ‫ب�أن اجلزيرة‬ ‫ّ‬ ‫(‪.)55 /4‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫امل�ؤرخون العرب يرون يف العربية "�أر�ض احلجاز" �إبن ه�شام – ‪ ، 255/4‬و�إبن خلدون ‪/2‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫‪ ،150‬والطربي ‪.738 /1‬‬

‫‪-15-‬‬

‫من العلم والثقافة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫�سابقة فيها‪،‬‬ ‫حل�ضارة‬ ‫فال وجود‬ ‫امل�سيحي فيها‪،‬‬ ‫و�أن ال وجود للتوحيد‬ ‫ّ‬ ‫كما ال �أديرة للرهبان يف ربوعها �أو كنائ�س‪...‬‬ ‫التاريخية التي �أثبتها‬ ‫وهذا �أمر خمالف للحقائق‬ ‫ّ‬ ‫علماء الآثار الغربيون والك�شوف الأثرية‬ ‫واحلوليات البيزنطية‪،‬‬ ‫الن�سطورية‬ ‫العربية‬ ‫وما ت�ؤكده �أي�ض ًا املراجع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومعركة اليمامة (جنوب جند) التي جرت بني �أهل جند وجي�ش امل�سلمني‪...‬‬

‫امل�سيح ّية يف احلجاز‬ ‫امل�سيحية وجدت يف مدن احلجاز قلوب ًا تقبلتها بالرتحاب‪ ،‬فهناك‬ ‫والديانة‬ ‫ّ‬ ‫عدة قبائل عرفت ب�إميانها بدين الكلمة االلهي كطيء وكندة وبطونها كال�سكون‬ ‫ّ‬

‫وال�سكا�سك‪ .‬و�إبن ه�شام ي�شري �إىل �أن حممد ًا ر�سول امل�سلمني يوم كان م�ست�ضعف ًا‬ ‫عدة‬ ‫بعد وفاة خديجة مبا�رشة حني مل يكن قد ا�ستعمل بعد ال�سالح ومل يكن لديه ّ‬

‫(�سيوف وحراب) ورجال‪� ،‬إذ ال �إكراه يف الدين‪..‬‬

‫امل�سيحية يف احلجاز �إىل الإ�سالم ورف�ضت‪� ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫فقد دعا «حممد» قبيلة كندة‬ ‫ّ‬

‫(ملك عليهم) يقال له‪:‬‬ ‫«�أتى (ر�سول امل�سلمني) كندة يف منازلهم‪ ،‬وفيهم �سيد لهم‬ ‫ٌ‬

‫ُم َليح‪ ...‬فعر�ض عليهم نف�سه‪ ،‬ف�أبوا عليه»(‪.((1‬‬

‫«كما �أنه �أتى َكلب ًا (�أي قبيلة َكلب امل�سيحية) يف منازلهم‪� ،‬إىل بطن منهم يقال لهم‪:‬‬

‫بنو عبد الله‪ ...‬وعر�ض عليهم نف�سه‪( ،‬حتى �إنه قال) ليقول لهم‪« :‬يا بني عبد‬ ‫(‪ ((1‬‬

‫ال�سرية النبوية – �إبن ه�شام �ص ‪ .286‬املجلد الأول – حتقيق الدكتور �سهيل زكّ ار – دار الفكر‪.‬‬

‫‪-16-‬‬

‫وجل قد �أح�سن �إ�سم �أبيكم‪ ،‬فلم يقبلوا منه ما عر�ض عليهم»(‪.((1‬‬ ‫عز‬ ‫ّ‬ ‫الله‪� ،‬إن الله ّ‬ ‫امل�سيحية‪،‬‬ ‫نعم‪� ،‬إن �إ�سم عبد الله والد هذا البطن من قبيلة كَ لب‬ ‫ّ‬ ‫ي�شري �إىل �إميانهم بالله‪ ..‬الواحد الأحد‪..‬‬

‫لكنهم رف�ضوا حممد ًا بن عبد الله الذي يعر�ض عليهم نف�سه‬ ‫لأنهم ال ي�ؤمنون �سوى بالله الأحد املثلث ال�صفات‬

‫وال َيدعون �أحد ًا معه‪ ،‬يف �سجدات �صالتهم �أو يف معابدهم‪...‬‬ ‫مكة‪،‬‬ ‫و�إىل مدينة الطائف �أحلجازية وهي على م�سرية يوم من ّ‬ ‫أمية بن �أبي ال�صلت‪.‬‬ ‫�إنتمى ال�شاعر‬ ‫امل�سيحي � ّ‬ ‫ّ‬

‫ٍ‬ ‫عكاظ التي كان يجتمع يف �سوقها الوافدون من خمتلف قبائل العرب‪،‬‬ ‫ويف‬ ‫َخ َطب (�أي وعظ) الق�س بن �ساعدة �أ�سقف جنران كما رووا‪.‬‬

‫وجاء يف تقومي قدمي للكني�سة الن�سطورية والذي طبعه اخلوري بطر�س عزيز‬

‫الكلداين(‪� ،((1‬أن الن�ساطرة كان لهم كني�سة يف عكاظ مع جماعة من �أهل دينهم‪،‬‬ ‫وهذا طبيعي فال تبنى كني�سة �أو دير يف منطقة مقفرة من امل�ؤمنني ومن االهتداءات‬

‫‪ ،‬وقد وجدت �أديرة للرهبان امل�سيحيني يف بالد احلجاز‪ ،‬كدير �سعد يف بالد غطفان‬

‫ودير عمرو يف جبال طيء‪.‬‬

‫م�سيح ّية قبائل جند‬ ‫م�سيحية قبائل جند‪ ،‬فهو �أمر تاريخي م�ؤكد‪ ،‬قبل �أن ي�ستعمل علي بن �أبي‬ ‫�أما‬ ‫ّ‬

‫طالب وخالد بن الوليد �أقطع الأدلة الإلهية على �صحة الإ�سالم‪� ،‬أي حز الرقاب‬ ‫بال�سيف‪ ،‬لي ِ‬ ‫دخلوا �أهلها يف اال�سالم‪ .‬وعن ذلك يقول امل�ست�رشق وعامل الآثار‬ ‫ُ‬ ‫ال�سرية النبوية – �إبن ه�شام‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫�أنظر بالتف�صيل كتاب الن�رصانية و�آدابها بني عرب اجلاهلية – للأب لوي�س �شيخو‪ ،‬من�شورات دار‬ ‫(‪ ((1‬‬ ‫امل�رشق – بريوت – �ص ‪.121‬‬

‫‪-17-‬‬

‫الإنكليزي بلغراف‪ ،‬وحتديد ًا عن بالد اجلوف‪ ،‬يف كتابه «رحلة �إىل جزيرة‬

‫العرب»‪:‬‬

‫املحلية‬ ‫ال القليل لكن التقاليد‬ ‫«�إن �أهل اجلوف ال يعرفون عن �أ�صلهم وتاريخهم �إ ّ‬ ‫ّ‬

‫بامل�سيحية و�أن �أن�صار النبي كعلي وخالد بن‬ ‫ال تدين‬ ‫تزعم �أن تلك البالد كانت قب ً‬ ‫ّ‬

‫الوليد �إ�ضطروا �إىل �إ�ستعمال �أقطع الأدلة �أي ال�سيف ليدخلوا �أهلها يف الإ�سالم»‪.‬‬

‫وقال يف حمل �آخر �ص ‪« :111‬قبل الإ�سالم كانت قبائل العرب يف و�سط‬

‫اجلزيرة راتعة يف بحبوحة ال�سالم الذي فقدته بعد ذلك‪ .‬وكان �أكرثها يدين‬

‫يرجح �أنها حفظت دينها بعد الإ�سالم �إىل �أن �أجربها �أحد خلفاء‬ ‫ّ‬ ‫بامل�سيحية بل ّ‬ ‫العربية التي‬ ‫امل�سيحية‬ ‫الأمويني على �إعتناق الإ�سالم»(‪ .((1‬وقد ذكر �أ�سماء القبائل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫�سكنت جند فيقول‪�« :‬إن عرب جند قبل الإ�سالم كانوا من تغلب وتنوخ وكندة‬ ‫وطيء»(‪.((1‬‬

‫وهذه القبائل كانت معروفة مب�سيحيتها منذ ال ِقدم‪ .‬وقد لقي ذلك ال�سائح هناك‬

‫عدة �آثار و�أبنية �سمع الأهلني ين�سبونها �إىل قدماء امل�سيحيني من جملتها بري �شقيق‬ ‫ّ‬

‫الذي نزل بقربه‪.‬‬

‫الرحالة لي�س حديث خرافة بل ت�ؤيد روايته الآثار القدمية التي‬ ‫و�إن كالم هذا‬ ‫ّ‬

‫� ّإطلع عليها علماء الآثار‪ ،‬والذين منعوا منذ ثمانينات القرن املا�ضي‪ ،‬من القيام‬

‫ب�أي بحث �أثري يف اململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬

‫ولكن رغم حماوالت طم�س احلقائق منذ �أيام عمر بن اخلطاب وحتى اليوم‪،‬‬ ‫�إال �أنه ومن خالل كرثة املطالعة والبحث يف املراجع الإ�سالمية القدمية‪،‬‬ ‫(‪ ((1‬إسم الكتاب في الفرنسية‪ ، palgrave: voyage dans l’arabie central 1, page 111 :‬وهذا‬ ‫المرجع يعود إلى سنة ‪ ،1900‬ويمكن االطالع عليه في مكتبة مركز الرئيس بومبيدو في باريس‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬املرجع ذاته �ص ‪.84‬‬

‫‪-18-‬‬

‫ميكننا الو�صول �إىل ب�ضعة خيوط ت�ساعدنا‪ ،‬على تبيان احلقيقة ال�ضائعة‪ ،‬عن‬ ‫امل�سيحية يف بالد اجلزيرة‪ ،‬فاحلجاز كان خا�ضع ًا مللوك كندة‬ ‫مدى �إنت�شار‬ ‫ّ‬ ‫امل�سيحيني‪� ،‬إىل فرتة �سابقة وغري بعيدة من جميء الإ�سالم‪ ،‬و�إن عدم وجود‬ ‫�سلطة مركزية (�أي ملك) يحكم على بالد احلجاز وي�ضبط العباد‪ّ � ،‬أدت �إىل‬ ‫ّادعاء ُكرث النبوة يف تلك الفرتة التاريخية‪ ،‬و�إن الفر�صة �سنحت ملحمد ر�سول‬ ‫امل�سلمني لكي ينجح عرب ال�سيف وال�سبي واحلرب با�سم الدين يف توحيد تلك‬ ‫البالد �سيا�سي ًا يف حياته ثم �أجربت قبائل اجلزيرة العربية على توحيد معتقدها‬ ‫بالإكراه �أي باجلزية وبحز الرقاب بال�سيف بعد وفاته وهذا ما تو�صل �إليه‬ ‫جزئي ًا �أي�ض ًا الدكتور الأ�ستاذ �سهيل زكار في�شري �إىل � ّأن من �أ�سباب جناح ر�سول‬

‫اال�سالم يف ن�رش عقيدته‪�« :‬أن احلروب امل�ستعرة (والدائمة) بني (مملكة) الفر�س‬ ‫و(امرباطورية) الروم ال�رشقيني وزوال مملكة كندة‪ ،‬ومتزق مملكة يك�سوم‬ ‫(�أي احلب�شة التي كانت حتكم اليمن) وانهيار كل من (مملكة) الغ�سا�سنة و(مملكة)‬

‫املناذرة منح الفر�صة للنبي �ص‪ .‬للعمل داخل �شبه اجلزيرة العربية دومنا خ�شية‬

‫من تدخل خارجي م�ؤثر»(‪.((1‬‬

‫طيات حديث «م�سيحي �سابق» من‬ ‫وهناك دليل تاريخي و�إ�سالمي موجود يف ّ‬

‫�أهل جند كان قد �إعتنق الإ�سالم وكان قد رافق �أبو بكر ال�صديق يف غزواته‪ ،‬وقد‬ ‫ورد ذلك يف ال�سرية النبوية البن ه�شام‪« :‬وكان من احلديث‪� ...‬أن رافع بن �أبي‬

‫امل�سيحية)‪ ،‬قال‪ :‬كنت امرء ًا ن�رصاني ًا (م�سيحياً)‪،‬‬ ‫رافع الطائي (�أي من قبيلة طيء‬ ‫ّ‬

‫و�سميت �رسجي�س‬

‫(‪((2 ((2‬‬

‫فلما �أ�سلمت خرجت يف الغزوة (الغزو)‪ ...‬ف�صحبت‬

‫(‪ ((1‬ال�سرية النبوية – البن ه�شام – املجلد الأول – حتقيق الدكتور الأ�ستاذ �سهيل زكّ ار – دار الفكر – حا�شية‬ ‫�ص ‪.50‬‬ ‫(‪ ((2‬السيرة النبوية – البن هشام – بشرح الوزير المغربي – المجلد الثاني – تحقيق الدكتور األستاذ سهيل‬ ‫زكار ‪ -‬دار الفكر – الجزء الثاني – ص ‪.1043 – 1042‬‬ ‫(‪� ((2‬إنه القدي�س �رسجيو�س �شفيع تغلب وطيء و�سائر العرب امل�سيحيني يومها‪ ،‬وما زال يف مدينة يرمي من‬ ‫ذمار يف اليمن م�سجد يحمل �إ�سم �رسج�س‪ ،‬لأنه كان كني�سة‪ ،‬ومع �إجبار امل�سيحيني على �إعتناق‬ ‫حمافظة ّ‬

‫‪-19-‬‬

‫�أبا بكر‪ ...‬وقال �أهل جند حني ارتدوا كفاراً‪ :‬نحن نبايع ذا العباءة (�أي حممد ًا‬

‫وجل بعث حممد ًا �ص‪ .‬بهذا الدين‪،‬‬ ‫عز‬ ‫ّ‬ ‫كملك‪ ..)..‬قال (�أبو بكر)‪� ... :‬إن الله ّ‬ ‫وجزية‪»)..‬‬ ‫ال و�سبي ًا وخراج ًا‬ ‫فجاهد عليه حتى دخل النا�س فيه طوع ًا وكره ًا (قت ً‬ ‫ً‬

‫مما تق ّدم ندرك �أن «امل�سلم املهتدي �إىل الدين الإ�سالمي»‪..‬‬ ‫كان م�سيحي ًا يف ال�سابق‪ ،‬وقد ُل ّقب بالطائي‪ ،‬النتمائه لقبيلة طيء امل�سيحية‪،‬‬ ‫�أما ذكره ب�أن «�أهل جند حني ارتدوا كفار ًا»(‪�( ((2‬ص ‪)1042‬‬ ‫فهذا ي�شري �إىل ديانتهم التي �أحبوها‪،‬‬ ‫وف�ضلوها على الإ�سالم‪...‬‬

‫امل�سيحيون اليعاقبة‪� ،‬إذ قال القر�آن‪:‬‬ ‫فالك ّفار هم‬ ‫ّ‬

‫«لقد كَ فَر الذين قالوا‪� :‬إن الله هو امل�سيح‪� ،‬إبن مرمي» (املائدة ‪)19‬‬ ‫�إذ َا �إن �أهل جند بعد �أن تويف من كان ي�شكّ ل بنظرهم �سبب ًا �ضاغط ًا عليهم‬ ‫امل�سيحية‪،‬‬ ‫لإعتناق الدين اال�سالمي‪ ،‬عادوا �إىل ديانتهم‬ ‫ّ‬ ‫فتم فيهم ما متّ‪...‬‬ ‫ّ‬

‫و�إن ن�ص ال�سرية النبوية البن ه�شام نف�سها‪،‬‬ ‫تذكر �أن‪« :‬حممد ًا‪ ..‬جاهد عليه (�أي جاهد بدينه) حتى دخل‬ ‫النا�س فيه‪ ..‬كرهاً»‪�( .‬ص ‪)1043‬‬

‫وما �أدراك ما و�سائل �أل «كرهاً»‪ ...‬هذه‪..‬‬ ‫وما فوائد «الغزوة»‪...‬‬ ‫فهذا امل�سيحي الإ�سمي‪« ..‬رافع الطائي‪»...‬‬ ‫الذي كان يخالف االجنيل املقد�س �أمل�سامل‪ ...‬قبل �إ�سالمه‪،‬‬ ‫يغري‪:‬‬ ‫�إذ كان يغري �أي ي�رسق �إبل النا�س‪ّ ...‬‬ ‫ظل ُ‬ ‫حبهم للقدي�س �رسجي�س (�رسكي�س)‪ ،‬جعلهم ي�سمون‬ ‫حتولت الكني�سة �إىل م�سجد‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫اال�سالم بحد ال�سيف ّ‬ ‫امل�سجد با�سمه رغم اعتناقهم الإ�سالم كرهاً‪...‬‬ ‫(‪ ((2‬ال�سرية النبوية – لإبن ه�شام – اجلزء الثاين – �ص ‪.1042‬‬

‫‪-20-‬‬

‫«يف اجلاهلية كنت �أغري على �إبل النا�س‪...‬‬

‫فلما �أ�سلمت خرجت يف تلك الغزوة‪�( ((2(»...‬ص ‪)1042‬‬ ‫املرة طبع ًا ما نال‪..‬‬ ‫ولكنه نال هذه ّ‬ ‫وغنم ما غنم‪..‬‬

‫م�سيحية‪..‬‬ ‫تقدم ندرك �أن قبائل احلجاز كانت‬ ‫�إذ ًا من كل ما ّ‬ ‫ّ‬

‫يت «�سرَ ج�س»‪..‬‬ ‫فعبارة ُ�س ّم ُ‬ ‫عمده الأهل والأقارب‪،‬‬ ‫م�سيحية‬ ‫تدل على �أنه ن�ش�أ يف بيئة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عربية‪ ،‬فقد ّ‬ ‫و�سموه على �إ�سم القدي�س «�رسج�س»‪...‬‬ ‫وهو طفل �صغري‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الكثري الإكرام عند عرب اجلاهلية‪..‬‬

‫معركة اليمامة ‪ -‬جنوب جند‬

‫(�سنة ‪ 11‬هجرية)‬

‫نق ًال عن كتاب تاريخ الر�سل وامللوك – الطربي‬

‫(‪((2‬‬

‫«وكان من �أمر بني متيم‪ّ � ،‬أن ر�سول الله تويف‪ ....‬فجاءتهم �سجاح‬ ‫بنت احلارث قد �أقبلت (�إىل جند واليمامة) من اجلزيرة‪ ،‬وكانت ورهطها يف‬ ‫(امل�سيحية)‪ ...‬و(قبيلة)‬ ‫م�سيحية) تقود �أفناء (قبيلة) ربيعة‬ ‫بني تغلب (قبيلة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(امل�سيحية)‪ ...‬واجتمع ر�ؤ�ساء �أهل اجلزيرة (العراق) قالوا لها‪ :‬ما‬ ‫�أياد‬ ‫ّ‬ ‫ت�أمريننا؟‪ ...‬فقالوا‪� :‬إن �شوكة �أهل اليمامة �شديدة (�أي �أنهم �أقوياء)‪،‬‬ ‫وقد غلظ �أمر ُم�سيلمة‪ ،‬فقالت‪ :‬عليكم باليمامة (جنوب جند)‪ ...‬وبلغ ذلك‬ ‫م�سيلمة وهابها‪ ...‬ف�أهدى لها‪ ...‬فنزلت اجلنود على الأمواه (املياه)‪...‬‬ ‫فجاءها وافد ًا يف �أربعني من (قبيلة) بني حنيفة (امل�سيحية)‪ ،‬وكانت را�سخة‬ ‫ال�سرية النبوية – �إبن ه�شام – اجلزء الثاين – �ص ‪.1042‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫تاريخ الطربي – تاريخ الر�سل وامللوك – �سنة ‪ 11‬هجرية – اجلزء الثالث – �ص ‪– 307 – 300‬‬ ‫(‪ ((2‬‬ ‫دار الفكر‪.‬‬

‫‪-21-‬‬

‫يف الن�رصانية‪ ،‬قد علمت من علم ن�صارى تغلب‪ ،‬فقال م�سيلمة‪« :‬لنا ن�صف‬

‫(�سجاح) تزوجته‬ ‫الأر�ض‪ ،‬وكان لقري�ش ن�صفها لو عدلت» (�ص ‪ )295‬قالت‬ ‫ّ‬ ‫(مل�سيلمة) (�ص ‪...)296‬‬

‫وكان عدد بني حنيفة (�سكان جند) يومئذ �أربعني �ألف مقاتل‪ ،‬يف قراها وحجرها‬

‫ف�سار خالد (بن الوليد)‪ ...‬وبادر بقتال م�سيلمة الذي كان معه (�شخ�ص يدعى)‬

‫بن عنفوة‪ ،‬وكان قد هاجر �إىل النبي حممد‪ ،‬وقر�أ القر�آن‪ ،‬وفقه يف الدين فبعثه‬

‫ولي�شدد (ين�رص)‬ ‫(لي�شاغب) على م�سيلمة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫(حممد) معلم ًا لأهل اليمامة ولي�شغب ُ‬ ‫ّ‬ ‫من �أمر امل�سلمني‪ ،‬فكان �أعظم فتنة على بني حنيفة من م�سيلمة (�أي �أنه ِعو�ض �أن‬ ‫يدعوهم �إىل اال�سالم �أبعدهم عن حممد)‪�( ،‬إذ) �شهد �أنه �سمع حممد يقول‪�« :‬إنه قد‬

‫�أ�رشك معه» (�أي �أنه �إتفق مع م�سيلمة �أن يكون �رشيك ًا له يف النبوة) (�ص ‪)300‬‬

‫فبعث �إليهم �أبو بكر خالداً‪ ،‬ف�سار حتى �إذا بلغ اليمامة‪ ...‬فخرج م�سيلمة وبنو‬ ‫حنيفة‪ ..‬وقال �رشحبيل بن ُم�سيلمة‪« :‬يا بني حنيفة‪ ،‬اليوم يوم الغرية‪ ،‬اليوم‬ ‫�سبيات وينكحن‪،‬‬ ‫�إن ُه ِزمتم (من امل�سلمني) ت�سرتدف (ت�ؤخذ) الن�ساء ن�سا�ؤكم ّ‬ ‫فا�ستحر‬ ‫فقاتلوا عن �أح�سابكم‪ ،‬و�أمنعوا ن�ساءكم (عنهم) (�ص ‪...)303‬‬ ‫ّ‬ ‫القتل‪ ...‬ومل حتفل بنو حنيفة بقتل من ُقتل منهم‪( ..‬ل ّأن حياتهم و�رشف‬ ‫ن�سائهم ومنع �سبي �أوالدهم مرتبط بدفاعهم عن �أنف�سهم من املهاجمني) فقُتل‬ ‫يف املعركة‪ ،‬ويف حديقة املوت ع�رشة �آالف مقاتل (منهم �أي من جند)»‪.‬‬

‫قبيلة كندة يف جند‬ ‫امل�سيحية‪ ،‬ومن بطونها ال�سكون وال�سكا�سك الذين‬ ‫من �أعظم قبائل نجَ د قبيلة كندة‬ ‫ّ‬ ‫تواجدوا يف اليمن‪ ،‬وقد ذكر م�سيحيتهم �إبن خلدون يف تاريخه (‪ .)249 /2‬وكان‬

‫فملكوا على بني معد يف �أنحاء جند وكان �أعظمهم �أمللك‬ ‫لكندة بيت ُملك (�أي ملوك) َ‬ ‫حجر �آكل املرار ثم خلف حجر ًا بنوه من بعده ومنهم كان امللك الطريد وال�شاعر‬ ‫‪-22-‬‬

‫�أمر�ؤ القي�س‪ ،‬الذي حاول �إ�ستعادة �أ ُمللك بعد �إنقالب قبائل معد عليه‪ ،‬وحماربة‬

‫امللك املنذر اللخمي له(‪...((2‬‬

‫وم�سيحية ملوك كندة وقبائلها مثبتة من علماء الآثار وامل�ست�رشقني‪ ،‬كامل�ست�رشق‬ ‫ّ‬

‫ال�سويدي �أولندر يف كتابه «ملوك كندة»‪ ،‬وامل�ست�رشقة الرو�سية نينا فيكتورفنا‬

‫بيغوليف�سكيا يف كتابها العرب على حدود بيزنطة و�إيران‪ .‬و�إن امللكة هند الكربى‬ ‫بنت امللك احلارث الكندي وزوجة امللك املنذر اللخمي كانت قد َب َنت دير ًا يف‬ ‫احلرية ُعرف ب�إ�سم دير هند الكربى‪ ،‬وقد َوجد علماء الآثار يف بداية القرن‬ ‫الع�رشين الكتابة التي كانت قد �أمرت‪� ،‬سنة ‪ 540‬م بو�ضعها على �صدر ديرها‬ ‫وحيث تفتخر بكونها‪:‬‬

‫«�أمة امل�سيح و�أم عبده (�أي �إبنها) امللك عمرو وبنت عبيده (�أي �إبنة امللك‬ ‫احلارث بن عمرو بن حجر من ملوك كندة امل�سيحيني)»‪.‬‬ ‫وهناك معاهدات �أبرمها ملوك الروم مع ملوك كندة يف �أيام الأباطرة �أن�ستاز‬ ‫م�سيحية ملوك كندة ملا �أبرمت معهم بيزنطة‬ ‫ويو�ستينو�س ويو�ستنيان‪ ،‬ولوال‬ ‫ّ‬ ‫املعاهدات كما �سرنى الحق ًا(‪.((2‬‬ ‫�رصح به الأمري‬ ‫وهناك �أي�ض ًا �أدلة �أخرى ت�ؤكد‬ ‫ّ‬ ‫م�سيحية الكنديني‪ ،‬منها ما ّ‬ ‫عبد امل�سيح الكندي يف ر�سالته �إىل الها�شمي يف �أيام اخلليفة امل�أمون‪ .‬وقد‬ ‫ذكر هذه الر�سالة �أبو الريحان البريوين يف كتابه الآثار الباقية (�ص ‪ 205‬من‬ ‫طبعة ليبزيغ – �أملانيا) قال الأمري عبد امل�سيح الكندي(‪« :((2‬ولوال �أن الديانة‬ ‫عندي �أ�رشف من احلَ َ�سب اجل�سداين الزائل‪ ،‬لكان ي�سعني ال�سكوت‪ ،‬لكني رجل‬ ‫م�سيحي َو يِل يف هذه الديانة �سابقة هي ح�سبي ون�سبي و�رشيف الذي �أت�رشف به‬ ‫(‪� ((2‬س�أتطرق �إىل ذلك بالتف�صيل يف كتابي "املمالك امل�سيحية يف اجلزيرة العربية"‪.‬‬ ‫(‪� ((2‬س�أتطرق �إىل ذلك بالتف�صيل يف كتابي "املمالك امل�سيحية يف اجلزيرة العربية"‪.‬‬ ‫(‪ ((2‬من كتاب حوار ديني – ر�سالة الأمري عبد امل�سيح الكندي �إىل الها�شمي يف �أيام امل�أمون ‪ 834‬م‪� .‬ص ‪.103‬‬

‫‪-23-‬‬

‫و�أفتخر مبكاين منه‪ ،‬و�أرغب �إىل الله يف �إماتتي على هذه الديانة (‪ ((2‬وح�رشي‬ ‫عليها ف�إنه غاية �أملي ورجائي الذي �أرجو به اخلال�ص من العذاب يف نار جهنم‬ ‫والدخول �إىل ملكوت ال�سماء واخللود فيها بف�ضله و�إح�سانه و�سعة رحمته»‪.‬‬ ‫فملوك كندة كان لهم ال�رشف على �سائر العرب‪ ،‬وقد ملكوا على عرب‬

‫اجلزيرة قبل جميء الإ�سالم‪ ،‬فيقول يف ذلك �أي�ضاً‪:‬‬

‫«ول�سنا نحب �أن نفتخر مبا لنا من ال�سبق والن�سب يف العربية و�رشف الآباء‬

‫فيها �إذ كان ذلك معروف ًا غري جمهول لآبائنا و�أجدادنا‪ .‬فقد علم كل ذي علم‬

‫ولب كيف كانت ملوك كندة الذين هم ولدونا وما كان لهم من ال�رشف على‬ ‫ّ‬ ‫�سائر العرب‪ ،‬لكننا نقول ما قاله ر�سول احلق بول�س‪�« :‬أال من يفتخر فليفتخر‬ ‫بالله والعمل ال�صالح ف�إنه غاية الفخر وال�رشف‪ .‬فلي�س لنا اليوم فخر نفتخر به‬

‫امل�سيحية الذي هو املعرفة بالله وبه نهتدي‬ ‫ال دين‬ ‫(فقد فقدنا ال�سلطان امللوكي) �إ ّ‬ ‫ّ‬

‫ونتقرب �إليه وهو الباب امل�ؤدي �إىل‬ ‫حق معرفته‬ ‫�إىل العمل ال�صالح ونعرف الله ّ‬ ‫ّ‬

‫احلياة والنجاة من نار جهنم»(‪ .((2‬ورغم حماوالت «�أ�سلمة التاريخ» واعتبار‬ ‫�أن اجلزيرة العربية قبل الإ�سالم‪ ،‬كانت غارقة يف غياهب التخلف والوثنية‪،‬‬ ‫�إال �أنني �س�أ�ست�شهد بدليل تاريخي ُمهم ي�شري �إىل �أن اجلزيرة العربية يف �أيام‬ ‫ُملك ملوك كندة امل�سيحيني‪ ،‬عا�شوا يف �سالم وطم�أنينة و�أمان‪� ،‬إذ ورد لدى‬ ‫امل�سعودي وهو م�ؤرخ جليل من القرن العا�رش‪� ،‬أن عمر بن اخلطّ اب �س�أل‬ ‫م�سيحيون‪،‬‬ ‫وغ�سان وخلم وكلّهم‬ ‫العامل عمرو بن معد يكرب عن ملوك كندة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫رن هذا الدليل التاريخي املُ حكم وامل�ؤثر واملطمو�س‪:‬‬ ‫فل َ‬

‫مفوه ًا وقدي�ساً‪� ،‬إذ �إعرتف ب�إميانه بالله الواحد احلقيقي املثلث‬ ‫(‪ ((2‬لقد كان هذا الأمري العربي �شجاع ًا مقدام ًا ّ‬ ‫�رصح ‪ ...‬ومبح�رض اخلليفة امل�أمون والأمراء والأعيان بكل ما يعلم عن احلقائق‬ ‫ال�صفات‪ ،‬كما �أنه‬ ‫ّ‬ ‫التي �أحاطت بن�شوء الإ�سالم و�إنت�شاره والتغيرّ ات التي طر�أت على القر�آن عند جمع عثمان للم�صاحف‬ ‫و�إحراقها ما عدا ن�سخته �أي حرف عثمان كما ذكر االقحامات التي �أدخلت على ن�صو�ص القر�آن يف �أيام‬ ‫احلجاج بن يو�سف وغريها‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪ ((2‬ر�سالة الأمري عبد امل�سيح الكندي – يف �أيام امل�أمون ‪ 834‬م – �ص ‪ .124‬‬

‫‪-24-‬‬

‫«ملا َقدِم بن معد يكرب على (اخلليفة) عمر بن اخلطاب‪...‬‬ ‫قال عمر‪� :‬أخربين عن (ملوك) كندة‪ ،‬‬ ‫قال (عمرو بن معد يكرب)‪� :‬سا�سوا العباد‪ ،‬ومتكنوا (�أي �أحكموا ُملك احلجاز‬

‫ون�رشوا الأمان) يف البالد‪...‬‬

‫قال عمر‪ :‬ف�أخربين عن خلم‪.‬‬ ‫قال (عمرو)‪� :‬آخرنا ُملك ًا (�أي مملكتهم ن�ش�أت يف فرتة مت�أخرة)‪ ،‬و�أولنا ُهلك ًا‬

‫(فقد �أباد خالد بن الوليد جي�ش هذه اململكة امل�سيحية العربية‪� ،‬أنظر معركة‬ ‫ُ�ألَي�س – �إذ ُذبح ‪� 70‬ألف جندي م�سيحي خلمي يف هذه املعركة فقط)‪.‬‬ ‫غ�سان‪،‬‬ ‫قال عمر بن اخلطّ اب‪ :‬ف�أخربين عن (ملوك) ّ‬ ‫قال (عمرو)‪� :‬أرباب (�آلهة‪� ،‬أي �أقوياء) يف اجلاهلية وجنوم‪ ،‬يف الإ�سالم»‬

‫(‪((3‬‬

‫غ�سان جبلة ال�ساد�س �أ َفل مبجيء اال�سالم فهاجر‬ ‫(واحلقيقة هي �أن جنم ملك ّ‬

‫مع ثالثني �ألف ًا من تابعيه ال�شام �إىل الق�سطنطينية ب�سبب �سوء املعاملة والإكراه يف‬

‫الدين)‬

‫(‪((3‬‬

‫بعد كل ما ذكرنا‪ ،‬ومن كل ما تق ّدم ندرك �أن بالد جند كانت قد �إنت�رشت فيها‬

‫امل�سيحية‪ ،‬وقد حلّ يف م�ؤمنيها ما حلّ بغريهم من امل�سيحيني العرب‬ ‫الديانة‬ ‫ّ‬

‫العربية‪ ،‬تنفيذ ًا لتلك الو�صية اجلائرة وامل�ش�ؤومة التي تقول‪:‬‬ ‫يف باقي اجلزيرة‬ ‫ّ‬ ‫يكونن يف جزيرة العرب دينان»‬ ‫«ال‬ ‫ّ‬ ‫(‪� ((3‬أنظر وت�أكد من هذه املعلومة التاريخية املجهولة متاماً‪ ،‬كتاب مروج الذهب – امل�ؤرخ امل�سعودي – املتويف‬ ‫‪ 341‬هـ ‪ 957 /‬م – املجلد الثالث – �ص ‪.196‬‬ ‫(‪ ((3‬أنظر كتابي في إمارة البطريق – ص ‪.46‬‬

‫‪-25-‬‬

‫من م�صادرهم‪:‬‬

‫معركة �أُلي�س(‪� ((3‬سنة ‪ 12‬للهجرة‬

‫«وملا �أ�صاب خالد بن الوليد يوم (معركة) الوجلة من �أ�صاب من (قبيلة) بكر‬ ‫بن وائل من ن�صاراهم (�أي من امل�سيحيني)‪َ ..‬غ ِ�ضب لهم (�أي للقتلى) ن�صارى‬ ‫قومهم فاجتمعوا �إىل (مدينة) �أُلي�س (ال�سماوة – العراق)‪ ...‬ف�أمر خالد مناديه‬

‫فنادى يف النا�س (�أي يف ن�صارى العرب امل�ساكني)‪ :‬الأ�رس‪� ،‬ألأ�رس!‪ ...‬ف�أقبلت‬ ‫اخليول بهم (�أي بالأ�رسى امل�سيحيني) �أفواج ًا م�ست�أ�رسين ي�ساقون �سوقاً‪،‬‬ ‫وقد َوكل (خالد) بهم رجا ًال (جنود ًا م�سلمني) ي�رضبون �أعناقهم يف النهر‪ ،‬ففعل‬

‫(خالد) ذلك بهم يوم ًا وليلة‪ ،‬وطلبوهم (�أي طلبوا قطع رقابهم) الغد وبعد الغد‪...‬‬ ‫وبلغت قتالهم من (معركة) ُ�ألي�س �سبعني �ألف ًا من احلرية (عا�صمة مملكة خلم‬ ‫امل�سيحية – العراق)»‪.‬‬

‫التوحيد يف الكعبة‬ ‫يف �أيام ملوك جرهم (القرن الثاين والثالث للميالد)‬ ‫للم�سيحية‬ ‫امل�سيحية منذ القرون الأوىل‬ ‫مكة نف�سها كانت قد دخلتها‬ ‫� ّإن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫امل�سمى «املخت�رص يف‬ ‫ودليلنا على ذلك ما رواه امل� ّؤرخ �أبي الفدا يف تاريخه‬ ‫ّ‬ ‫�أخبار الب�رش»‪ ،‬الذي يذكر ب�أن �ساد�س ملوك جرهم‪ ،‬الذين كانوا ملوك ًا على‬

‫م�سيحي ًا ون�ستدل على ذلك من �إ�سمه‬ ‫مكة بعد موت ال�سيد امل�سيح بزمن قليل‪ .‬كان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫«وملَك جرهم احلجاز‪ ،‬ثم ملك بعد جرهم �إبنه عبد ياليل بن جرهم‪ ،‬ثم‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫َ‬

‫�إبنه جر�شم‪ ...‬ثم �إبنه عبد امل�سيح‪ ،‬ثم �إبنه م�ضا�ض بن عبد امل�سيح»(‪.((3‬‬

‫(‪ ((3‬أنظر ّ‬ ‫وتأكد – تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك – جزء ‪ – 4‬ص ‪ – 35 – 33‬دار الفكر‪.‬‬ ‫(‪ ((3‬كتاب "تاريخ �أبي الفداء امل�سمى املخت�رص يف �أخبار الب�رش" – ت�أليف امللك امل�ؤيد عماد الدين �أبي الفداء‬ ‫عبا�س �أحمد الباز – مكّ ة املكرمة –‬ ‫– املتويف �سنة ‪ 732‬هـ ‪ -‬اجلزء الأول �ص ‪ – 121‬توزيع مكتبة ّ‬ ‫ي�سمي �إبنه "عبد امل�سيح" لو مل يكن م�سيحياً‪ ،‬فكيف �إذا كان‬ ‫ال�سعودية‪ .‬وال بد يل من الإ�شارة ب�أن ال �أحد ّ‬ ‫ثم �أو لي�س من املفرو�ض �أن يكون النا�س ولو‬ ‫ملك ًا على �شعب من امل�رشكني �أال ي�شكّ ل ذلك مفارقة غريبة؟ ّ‬

‫‪-26-‬‬

‫مكة كان م�سيحي ًا و�إ�سمه عبد امل�سيح قبل �أن يتغ ّلب عليه بني‬ ‫وهكذا نعلم �أن ملك ّ‬

‫االزد ويطردوه مع قبيلته و�أعوانه �إىل اليمن‪ ،‬وقد ح�صل ذلك قبل �أن ي�ستلم بني‬ ‫مكة من‬ ‫خزاعة �سدانة بيت احلرم يف مكة ومفاتيح الكعبة‪ ،‬وليقوى ال�رشك يف ّ‬

‫امل�سيحيون‪ ،‬وطبع ًا يحق لنا �أن نت�ساءل‬ ‫جديد‪ ،‬بعد �أن غادرها ملوك بنو جرهم‬ ‫ّ‬

‫�أين كان ُي�ص ّلي ه�ؤالء امل�ؤمنون بالإله الواحد الأحد املثلث ال�صفات وهم ملوك‬

‫مكة يومها؟‬

‫تاريخية تطرح على‬ ‫طبع ًا لي�س لدينا اجلواب اليقني‪ ،‬ولكن هناك ب�ضعة �أدلة‬ ‫ّ‬

‫�أذهاننا ت�سا�ؤالت عديدة‪:‬‬

‫ الت�سا�ؤل الأول‪ - :‬يرد يف كتاب تاريخ الكعبة للدكتور علي ح�سني‬‫اخلربوطلي اخلرب التايل‪� ،‬إذ يقول‪« :‬ب�أن خزاعة وجرهم ًا قبلها (�أي قبل �أن‬ ‫حتكم قري�ش مكة وت�صري �إليهم �سدانة بيت احلرم يف مكة ومفاتيح الكعبة)‪ .‬مل‬ ‫يريدوا �أن يكون �إىل جوار بيت الله بيت غريه»(‪.((3‬‬ ‫فهل بعد �أن زال ُملك بنو جرهم‪ ...‬عن مكّ ة‪...‬‬ ‫دخل ال�رشك �إىل الكعبة؟!!‬

‫�إنه �س�ؤال لي�س من ال�سهل الإجابة عليه‪...‬‬ ‫ولكن لنقر�أ مالحظة �أخرى يوردها هذا امل�ؤرخ امل�سلم �إذ يقول �أي�ضاً‪:‬‬ ‫«اجلرهميون‪ ..‬ظلوا ي�رشفون على الكعبة ثالثمائة �سنة‪ ،‬وكان �آخر ملوكهم‬

‫احلارث بن م�ضا�ض الأ�صغر‪ ،‬وزادوا يف بناء البيت ورفعته على ما كان عليه‬ ‫من بناء �إبراهيم عليه ال�سالم»(‪.((3‬‬

‫�أقلّهم على دين ملكهم؟‪ ...‬هذه الت�سا�ؤالت �أتركها �أي�ض ًا لذكاء القارئ اللبيب وفهمه‪...‬‬ ‫(‪ ((3‬كتاب تاريخ الكعبة – الدكتور علي ح�سني اخلربوطلي – �ص ‪ – 35‬دار اجليل‪.‬‬ ‫(‪ ((3‬مروج الذهب – جزء ‪� – 2‬ص ‪ ،50‬وتاريخ الكعبة – �ص ‪.28‬‬

‫‪-27-‬‬

‫لقد زادوا على بيت الله احلرام‪..‬‬ ‫املقد�س‪...‬‬ ‫ولكن ال يرد ذكر وجود �أ�صنام‪� ...‬أو �رشك‪ ..‬يف هذا املكان ّ‬ ‫م�سيحية‪ ،‬بعد‬ ‫الت�سا�ؤل الثاين‪ :‬هل كان بيت الله احلرام متار�س فيه �شعائر‬ ‫ّ‬ ‫مكة ودان بها بنو جرهم وذلك يف الفرتة التي تلت‬ ‫�أن دخلت‬ ‫امل�سيحية �إىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫�إر�سال ال�سيد امل�سيح ر�سوله برثلماو�س �إىل احلجاز وذلك قبل �أن يت�سلم احلكم‬ ‫بني الأزد ويتغلب من بعدها بني خزاعة عليهم‪...‬؟‬

‫املثري يف الأمر �أن هذا امل�ؤرخ ي�شري �إىل �أن الأمري عمرو بن حلي من قبيلة‬ ‫خزاعة (و�أمه ِمن جرهم) بعد �أن �إ�ستوىل على احلكم يف مكة‪ ،‬وبعدما ر�أى �أن‬ ‫«العرب مبكة وما حولها تهاونوا يف عقيدتهم احلنيفية دين التوحيد‪� .‬أراد (الأمري‬

‫حتل حمل الدين القومي ف�أقام الأوثان‬ ‫عمرو) �أن يدعم �سلطته فابتدع عقيدة جديدة ّ‬

‫عند الكعبة‪ ،‬ون�صب كبريها (الوثن) هبل يف بطن الكعبة»(‪.((3‬‬

‫مكة‪� ،‬أما كان من‬ ‫موحدون‬ ‫ونت�ساءل لو كان هناك‬ ‫م�سيحيون جرهميون يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الوثنية �إىل التوحيد‬ ‫واجبهم الديني االعرتا�ض على �إدخال الأ�صنام‪ ،‬والعبادة‬ ‫ّ‬

‫مكة؟‪...‬‬ ‫امل�سيحي املوجود يف ّ‬ ‫ّ‬

‫لقد �أكمل هذا امل� ّؤرخ �رسده للوقائع في�شري �إىل �أ�صوات احتجاج‪َ ،‬علَت‬ ‫مكة ال�سابقون فيقول‪:‬‬ ‫ب�سبب �إدخال الأ�صنام‪،‬‬ ‫وخا�صة من بنو جرهم ملوك ّ‬ ‫ّ‬ ‫(امل�سيحيون)‬ ‫وخا�صة عرب جرهم‬ ‫«وتعالت �أ�صوات �إحتجاج من بع�ض العرب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يحتجون على هذه البدعة الوثنية اجلديدة التي ابتدعها زعيمهم‪( ،‬فالأمري‬

‫عمرو بن حلي كان من قبيلة خزاعة ولكن والدته كانت �أمرية من ملوك جرهم‬

‫ال�سابقون)‪ ...‬وملّ ا َن َ�ص َب الأ�صنام حول الكعبة و�أجرب العرب على عبادتها‬ ‫(‪ ((3‬كتاب تاريخ الكعبة – الدكتور علي ح�سني اخلربوطلي ‪� -‬ص ‪ – 30‬دار اجليل‪.‬‬

‫‪-28-‬‬

‫امل�سيحية التي كان يدين بها بنو جرهم) ف�أن�شد‬ ‫مما ه ّدد دين احلنيفية (�أي‬ ‫ّ‬ ‫�شحنة بن خلف اجلرهمي‪:‬‬ ‫«يا عمرو �إنك قد �أحدثت � ً‬ ‫آلهة ‬

‫�شتى مبكة حول البيت �أن�صابا‬

‫ِ‬ ‫رب واحـ ٌد �أبـــد ًا ‬ ‫وكان‬ ‫للبيت ٌ‬

‫جعلت ل َُه يف النا�س �أربابا‬ ‫فقد‬ ‫َ‬

‫لتعرفن بــ�أن الله يف مـــهـــل ‬ ‫ّ‬

‫َ�س َي�صطَ في دونكم للبيت ُح ّجاباً»‬

‫(‪((3‬‬

‫ثم ي�شري امل� ّؤرخ نف�سه �إىل جناح هذا الأمري يف �إخماد �أ�صوات االحتجاج‪،‬‬ ‫مبا كان يتمتع به من �سلطة �سيا�سية وع�سكرية و�إقت�صادية وا�سعة‪...‬‬ ‫�إذ ًا مما تق ّدم وبعودتنا �إىل �إ�سم امللك ال�ساد�س من بني جرهم‬ ‫«عبد امل�سيح» ندرك �أنه م�سيحي‪..‬‬

‫وبقراءتنا لأ�شعار ن�سيبه �شحنة بن خلف اجلرهمي‬

‫باحلنيفيون‪،‬‬ ‫واحتجاجات اجلراهمة الذين و�صفهم كتاب تاريخ الكعبة‬ ‫ّ‬ ‫ندرك �أن احلنيفية وتوحيدها‪،‬‬ ‫امل�سيحية‬ ‫لي�ست �سوى الديانة‬ ‫ّ‬

‫التي ت�ؤمن بالله الواحد الأحد املثلث ال�صفات‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫وإن المستشرقين كسبرنغر (‪« ((3()Sprenger‬وولهوزن (‪ ((3()Welhansen‬قاموا‬ ‫بأبحاث حول الحنيفية في الجاهلية فقالوا بأنها شيعة مسيحيّة وهذا ما تؤكده‬ ‫ ‬ ‫أشعار شعراء الجاهلية‪ ،‬فالشاعر هزيل يقول‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫«كأن َتوال َي ُه بالمال ‬

‫نصارى يساقون القوا حنيفاً‬

‫(‪ ((3‬كتاب تاريخ الكعبة – �ص ‪ – 31‬دار اجليل‪.‬‬ ‫(‪ ((3‬أنظر كتابه‪Sprenger: Das Leben u.d. Lehre des Mohammad :‬‬ ‫(‪ ((3‬كتاب ‪ ،Wllhausen: Skizze u. vorarbeiten, III‬وأيضاً كتاب النصرانية وآدابها بين عرب‬ ‫الجاهلية – األب لويس شيخو – ص ‪ – 118‬دار المشرق‪.‬‬

‫‪-29-‬‬

‫وقد �أراد ب�شعره القول ب�أن الن�صارى (�أي امل�سيحيون)‬ ‫يذهبون ملالقاة «احلنيف» �أي الراهب املتجهد لل�صالة والتعبد‪...‬‬ ‫كما يروي ياقوت يف كتابه معجم البلدان (‪ )51 /2‬و�أي�ض ًا �صاحب الأغاين جزء‬

‫‪� /16‬ص ‪� 4‬شعر ًا لأمين بن خرمي ي�صف فيه اخلمر فيقول‪:‬‬ ‫«و�صهباء (�أي اخلمر) جرجانية مل َي ُطف ‬

‫ً ِ‬ ‫در‬ ‫تنغر بها‬ ‫بها‬ ‫ٌ‬ ‫حنيف ومل ّ‬ ‫�ساعة ق ُ‬

‫هيمن نارهــــا َط ُروق ًا ‬ ‫ومل ي�شهد‬ ‫ّ‬ ‫الق�س ا ُمل َ‬

‫رب (�أي �أُ�سقف)»‪.‬‬ ‫وال �ص ّلى على طبخها َح ُ‬

‫�إذ ًا �إن كلمة «احلنيف» الواردة يف البيت الأول‪...‬‬

‫ي�رشح معناها كلمتي «الق�س»‪ ..‬و»احلرب» �أي الأ�سقف‪...‬‬

‫الواردتان يف بيت ال�شعر الثاين‪..‬‬

‫امل�سيحية ال غري‪..‬‬ ‫فتكون �إذ ًا كل الدالئل ت�شري �إىل �أن احلنيفية هي‬ ‫ّ‬ ‫ونت�ساءل �أي�ضاً‪:‬‬ ‫ملاذا تواجد على بيت احلرم �أ�سقف يف زمن ملك بنو جرهم على مكة ؟‬ ‫�إذ ورد يف كتاب الأغاين لأبي الفرج اال�صفهاين(‪� ((4‬أن بيت الله احلرام كان‬ ‫له يف عهد بني جرهم «خزانة وهي بئر يف بطنه يلقى فيه احللى واملتاع الذي‬ ‫ُيهدى له وهو يومئذ لأ�سقف عليه»‪.‬‬ ‫فكلمة «�أ�سقف» ت�شري �إىل الرئي�س الديني لدى امل�سيحيني‪...‬‬ ‫وهل يتواجد �أ�سقف يف مدينة‪.‬‬

‫م�سيحيون �إىل جواره‪...‬؟‬ ‫لو مل يكن هناك م�ؤمنون‬ ‫ّ‬

‫الدينية!‬ ‫كما � ّأن هذا التواجد يفر�ض وجود مكان ديني ميار�سون فيه �شعائرهم‬ ‫ّ‬ ‫(‪ ((4‬كتاب الأغاين – �أبي الفرج اال�صفهاين ‪.109 /13‬‬

‫‪-30-‬‬

‫�إن اجلواب على هذا الت�سا�ؤل‪� :‬أتركه �أي�ض ًا لفطنة القارئ الباحث‪...‬‬ ‫‪ – 3‬الت�سا�ؤل الثالث‪« :‬ملاذا تواجدت يف دعائم الكعبة (وهي مكان ال�رشك) �صورة‬ ‫حممد؟‬ ‫للعذراء مرمي وللكلمة الأزيل ي�سوع يف �أيام‬ ‫ّ‬ ‫ال بل �أنه تواجد �أي�ض ًا يف بيت الله احلرام‬

‫متثال للعذراء مرمي ويف حجرها الطفل االلهي؟‬

‫ففي � ّأية فرتةٍ‬ ‫مت و�ضعهما؟ وملاذا؟‬ ‫زمنية �سابقة ّ‬ ‫ّ‬ ‫مكة التايل‪:‬‬ ‫مكة لل‬ ‫أزرقي(‪ ((4‬وهو من �أقدم تواريخ ّ‬ ‫فقد ورد يف كتاب �أخبار ّ‬ ‫ّ‬ ‫«فلما كان يوم فتح مكّ ة دخل ر�سول الله �صلعم البيت‪ ...‬وقال‪:‬‬ ‫يدي‬ ‫احموا جميع ال�صور �إال ما حتت ّ‬ ‫فرفع يديه عن �صورة عي�سى بن مرمي و�أمه»‪.‬‬ ‫ولكن املرجع التاريخي الثمني ي�شري �إىل حقيقة �أخرى جمهولة متاماً‪،‬‬ ‫�إذ يذكر تواجد متثال للعذراء مرمي ويف ح�ضنها الطفل االلهي‪.‬‬ ‫وهذا ي�شكّ ل مفاج�أة �أخرى‪ ،‬ومما قاله‪:‬‬ ‫«حدثنا داود بن عبد الرحمان عن �إبن جريج قال‪�َ :‬س� َأل �سليمان بن مو�سى‬

‫ال�شامي عطاء بن �أبي رباح‪ :‬هل �أدركت يف البيت (بيت الله احلرام) متثال مرمي‬ ‫وعي�سى؟‬

‫مزوقاً‪ ،‬يف حجرها عي�سى �إبنها قاعد ًا‬ ‫قال‪ :‬نعم �أدركت فيها متثال مرمي‬ ‫ّ‬ ‫مزوقاً‪ ..‬قال وكان متثال عي�سى بن مرمي ومرمي عليهما ال�سالم يف العمود الذي‬

‫يلي الباب‪ :‬قال �إبن جريج فقلت لعطاء‪ :‬متى هلك؟ قال‪ :‬يف احلريق يف ع�رص �إبن‬

‫الزبري»(‪.((4‬‬

‫(‪ ((4‬كتاب "�أخبار مكّ ة �رشفها الله تعاىل وما جاء فيها من الآثار ت�أليف �إبن الوليد حممد بن عبد الله بن �أحمد‬ ‫الأزرقي" – وقد فرغ من ت�أليفه �سنة ‪ 244‬هجرية – طبعة وي�ستنفلد – ليبزيغ – املانيا‪� .‬ص ‪.111‬‬ ‫(‪ ((4‬كتاب �أخبار مكة للأزرقي ‪ -‬املرجع ال�سابق – �ص ‪ ،113‬ومن املعروف لدى الباحثني � ّأن عبد الله �إبن‬

‫‪-31-‬‬

‫يحق لنا ب�س�ؤال منطقي‪ ،‬بعد �أن َعلمنا ب�أن‬ ‫بعد هذه الت�سا�ؤالت املح ّقة‪� ،‬أظن �أنه ّ‬

‫«بيت الله احلرام» قد �أحرق يف �أيام �إبن الزبري ورممّ يف �أيام غريه‪ ،‬حجر ًا‬ ‫و�أعمدة»‪ ...‬وهو‪:‬‬ ‫«ملاذا مل يو�ضع (�أو ال يو�ضع؟) متثال جديد للعذراء مرمي‬ ‫ولي�سوع مكان الذي َهلَك؟!‬ ‫وملاذا مل تو�ضع ر�سوم ترمز للعذراء مرمي وي�سوع يف الكعبة‬ ‫مكان التي ُدمرت؟! �أو �أزيلت؟‬ ‫و�إن كان ر�سول امل�سلمني �أمر �أن ال تطم�س؟ �أو تزال؟‬ ‫فلماذا �أُزيلت؟ وملاذا ال تُعاد؟!‬ ‫ولو كان ر�سول امل�سلمني حي ًا بعد احلريق الذي ح�صل يف �أيام �إبن الزبري؟‬ ‫ما كان �سيكون موقفه»؟!‪..‬‬

‫«امل�سيح ّية يف م ّكة»حتى جميء الإ�سالم‬

‫كان ّ‬ ‫لمكة نصيب ولو ضئيل من إنتشار الديانة المسيحيّة في عهد الجاهليّة‪،‬‬ ‫المسيحي كما دخل إلى غيرها من المناطق الحجازية‪ .‬ومن‬ ‫فقد دخل إليها الدين‬ ‫ّ‬ ‫«عجيب – غريب» ما رواه مؤرخو العرب كابن األثير وإبن خلدون وأبي‬ ‫أن ّ‬ ‫الفداء‪ّ ،‬‬ ‫مكة حكمها في فترة ما‪ ،‬أي في القرون األولى للميالد ساللة ملكيّة‬ ‫مسيحي‬ ‫من «بني جرهم»‪ .‬ويشيرون إلى أن سادس ملك جرهم كان يدعى باسم‬ ‫ّ‬ ‫وهو «عبد المسيح بن باقية بن جرهم»‪ .‬فيتعيّن ذلك أن المسيحيّة غلبت في ّ‬ ‫مكة‬ ‫قبل بني األزد وتغلّب بني خزاعة على والية البيت العتيق‪ ،‬وتنقل أخبارهم أنه‬

‫الزبري هو �إبن �أخت عائ�شة زوجة ر�سول امل�سلمني وقد بايعته (�أي �أعلنته ملكاً) احلجاز والعراق‪ ،‬ومل‬ ‫ي�ستطع اخللفاء االمويون �إنتزاع العراق من حكمه �إال بعد معركة مرج راهط بالقرب من دم�شق �سنة ‪684‬‬ ‫احلجاج ابن يو�سف الثقفي �إىل مكة فحا�رص مكة‬ ‫م‪ ،‬ثم �أر�سل اخلليفة عبد امللك �إبن مروان (‪ 705 – 685‬م) ّ‬ ‫�سنة ‪ 692‬م طوال �ستة �أ�شهر ون�صف �إىل �أن قتل �إبن الزبري و�أحتلها‪.‬‬

‫‪-32-‬‬

‫على زمن آل جرهم تولى الكعبة أسقف‪ ،‬أي رئيس ديني لدى المسيحيين وهل‬ ‫يتولى أسقف مكاناً دينياً‪ ،‬لو لم يكن قادراً على تأدية صلواته فيه‪ ،‬علماَ أن األسقف‬ ‫يكون رئيساً دوماً على عدد من القسس والرهبان ومن البديهي القول أنه تواجد‬ ‫إلى جانبهم مؤمنون عاديون‪ ...‬وقد رويت ما قال في ذلك أبو الفرج األصفهاني‪:‬‬ ‫«أن البيت الحرام كان له في عهد بني جرهم خزانة‪ ،‬وهي بئر في بطنه يلقي‬ ‫فيها الحلى والمتاع الذي يهدى له‪ ،‬وهو يومئذ ألسقف عليه»(‪ .((4‬واألزرقي في‬ ‫كتابه أخبار مكة‬

‫(‪((4‬‬

‫(‪ )104 /1‬يقول‪« :‬كان فيها (أي جدران الكعبة) صورة‬

‫إبراهيم خليل الرحمن‪ ...‬وصورة عيسى بن مريم وأمه‪ ،‬وصورة المالئكة عليهم‬ ‫السالم أجمعين‪ .‬فلما كان يوم فتح ّ‬ ‫مكة دخل رسول اهلل البيت‪ ،‬فأرسل الفضل بن‬ ‫العباس بن عبد المطلب‪ ،‬فجاء بماء زمزم‪ ،‬ثم أمر بثوب فبُ ّل بالماء وأمر بطمس‬ ‫تلك الصور فطمست‪ ...‬ووضع ّ‬ ‫كفيه (أي مح ّمد) على صورة عيسى إبن مريم‬

‫يدي‪ :‬فرفع يديه عن‬ ‫وأمه عليهما السالم‪ ،‬وقال‪� :‬أحموا جميع ال�صور �إال ما حتت ّ‬ ‫(�صورة) عي�سى ابن مرمي و�أمه(‪...((4‬وحدثني جدي قال حدثنا داود بن عبد‬

‫الرحمن عن �إبن جريج (وجريج ت�صغري لإ�سم القدي�س جرج�س امل�سيحي) قال‪:‬‬

‫�س�أل �سليمان بن مو�سى ال�شامي عطاء بن �أبي رباح و�أنا �أ�سمع‪� :‬أدركت يف البيت‬ ‫مزوق ًا يف‬ ‫(�أي يف الكعبة) متثال مرمي وعي�سى؟ قال‪ :‬نعم �أدركت فيها متثال مرمي ّ‬

‫�ست‪ ..‬قال وكان متثال‬ ‫مزوقاً‪ .‬وكان يف البيت �أعمدة ّ‬ ‫حجرها عي�سى �إبنها قاعد ًا ّ‬

‫عي�سى بن مرمي ومرمي عليهما ال�سالم يف العمود الذي يلي الباب‪ :‬قال �إبن جريج‬ ‫الزبري‪»...‬‬ ‫فقلت لعطاء‪ :‬متى هلك؟ قال‪ :‬يف احلريق يف ع�رص �إبن ُ‬

‫(‪ ((4‬كتاب األغاني – أبو الفرج االصفهاني ‪.109 /13‬‬ ‫شرفها اهلل تعالى وما جاء فيها من اآلثار» تأليف ابن الوليد‬ ‫(‪ ((4‬واإلسم الكامل للكتاب هو‪« :‬كتاب أخبار مكة ّ‬ ‫بن عبد اهلل بن أحمد األزرقي – المطبوع في ليبزيغ – ألمانيا ص ‪. Ed. Wastenfeld .112 – 110‬‬ ‫(‪ ((4‬قابل الن�ص يف كتاب تاريخ العرب قبل الإ�سالم للدكتور جواد علي ‪ ،172 /5‬حيث ي�ضيف‪" :‬وهي رواية‬ ‫للعلماء عنها حديث (نبوي) وكالم (�أي تف�سري من علماء امل�سلمني الأقدمني) بخ�صو�ص �إ�ستثناء �صورة مرمي‬ ‫و�إبنها عي�سى من الطم�س"‪.‬‬

‫‪-33-‬‬

‫وما يفاجئ �ألباحث عن اخلفايا وراء اخلبايا‪،‬‬ ‫امل�سيحيني العرب كانوا يجمعون �أي�ضاً‪،‬‬ ‫�أن ال�شعراء‬ ‫ّ‬ ‫رب مكة وال�صليب‪،‬‬ ‫�إذا حلفوا بني ّ‬ ‫فيقول ال�شاعر ُع َدي بن زيد (الأغاين ‪:)24 /2‬‬ ‫ ‬ ‫«�سعى الأعداء ال ي�ألون �رش ًا‬

‫ِ‬ ‫مك َة وال�صليب»‪.‬‬ ‫عليك‬ ‫ورب ّ‬ ‫ّ‬

‫كما كانوا يحلفون بثوب الراهب (الحرتامهم له)‬ ‫وبالكعبة التي بناها بنو جرهم‪ ،‬فيقول االع�شى‪:‬‬ ‫بثوبي راهب الدير والتي‬ ‫«حلفت َ‬

‫(‪((4‬‬

‫بناها ُق َ�ص ُّي وامل�ضا�ض بن جرهم»‪.‬‬

‫فهل بزوال ُملك بنو جرهم»(‪،((4‬‬

‫دخل ال�رشك الكعبة بعد �أن كان قد غادرها؟!!‪...‬‬ ‫مكة‪،‬‬ ‫�إن يف كل ما نقر�أه لدالئل مثرية ت�شري �إىل وجود‬ ‫امل�سيحية حتى يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولكن وبكل �أ�سف وحزن �أقول �أنه‬ ‫بعد وفاة ر�سول امل�سلمني‬ ‫العربية‪...‬‬ ‫للم�سيحية يف اجلزيرة‬ ‫مت الق�ضاء على كل وجود‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهذا ما يخالف بنظري �إرادة ر�سول امل�سلمني نف�سه‪،‬‬ ‫الذي كان قد عاهد �أهل جنران‪،‬‬ ‫(‪ ((4‬أي بثوب الكعبة أيضاً‪...‬‬ ‫(‪ ((4‬ورحيلهم �إىل اليمن مع �سائر �آل بنو جرهم ال�سرية النبوية – �ص ‪.82‬‬

‫‪-34-‬‬

‫وجعل �أعيانهم ي�صلون يف م�سجده يف املدينة‪،‬‬ ‫و�إن كانت وجهة �صالتهم �أل�رشق‪� ،‬أي �ألقد�س – �أور�شليم‬ ‫(مدينة ال�سالم بالعربية) مدينة امل�سيح رئي�س ال�سالم‪.‬‬ ‫كما �أن ال�سرية النبوية لإبن ه�شام تورد خرب ًا �آخر‪ ،‬غريب ًا يف م�ضمونه‪،‬‬ ‫وقد ال يثري �أي ت�سا�ؤل عند غري الباحثني‪ ،‬لكن يرد فيه‪:‬‬ ‫بال�رسيانية‪،...‬‬ ‫«وحدثَت �أن قري�ش ًا وجدوا يف الركن كتاب ًا‬ ‫ّ‬ ‫«قال �إبن �إ�سحاق‪َ :‬‬

‫وح َجر ًا يف الكعبة قبل مبعث النبي �ص‪ .‬ب�أربعني �سنة‪ ...‬مكتوب ًا فيه‪ :‬من يزرع‬ ‫َ‬

‫خري ًا يح�صد غبطة ومن يزرع �رش ًا يح�صد ندامة‪ ،‬تعملون ال�سيئات‪ ،‬وجتزون‬

‫احل�سنات‪� ...‬أجل‪ ،‬كما ال يجتنى من ال�شوك العنب»‬

‫(‪((4‬‬

‫املثري يف الأمر‪� ،‬أن هذه الكلمات املكتوبة على حجر وجدوه يف ركن الكعبة‪،‬‬ ‫يف حوايل �سنة ‪ 570‬م‪ ،‬هي يف احلقيقة �آيات من الكتاب املق ّد�س (�أي التوراة‬ ‫واالجنيل املقد�س)‪.‬‬

‫فالتوراة تقول‪« :‬من يزرع بالدموع يح�صد بالرتنيم» (مزمور ‪)5 /126‬‬ ‫واالجنيل املقد�س �أي�ض ًا يقول‪« :‬غبطة العطاء �أكرث من الأخذ»‬

‫(�أعمال الر�سل ‪)35 /20‬‬

‫«�إياكم والأنبياء الكذابني‪ ...‬من ثمارهم تعرفونهم‪،‬‬ ‫�أيثمر ال�شوك عنباً»‪( .‬االجنيل بح�سب لوقا ‪)13 /11‬‬ ‫مكة‪،‬‬ ‫وهناك �أدلة �أخرى ت�شري �إىل ت�أثري‬ ‫امل�سيحية يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫وانتماء كثري من �سادتها �إىل التوحيد امل�سيحي‬ ‫فقد ورد يف ال�سرية النبوية لإبن ه�شام‪:‬‬

‫(‪ ((4‬ال�سرية النبوية – البن ه�شام ‪ -‬اجلزء الأول – �ص ‪ – 132‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪-35-‬‬

‫مكة) حني تن�صرّ يمَ ُ ر ب�أ�صحاب ر�سول الله‪..‬‬ ‫«كان ُعبيد الله بن جح�ش (من ّ‬ ‫فيقول‪:‬‬

‫«ف ّقحنا و�ص�أ�ص�أمت‪� ،‬أي �أب�رصنا و�أنتم تلتم�سون الب�رص‪ ،‬ومل تب�رصوا بعد»(‪.((4‬‬ ‫وكالمه حق‪...‬‬

‫لأن الأعمى ال يقدر �أن يقود �أعمى‪...‬‬ ‫فاملتع�صب يجر �إىل التع�صب‪...‬‬

‫ويورث القتل واحلقد والق�سمة واالنحطاط‪ ...‬وال�ضاللة وال�ضياع والدمار‪...‬‬ ‫ّ‬

‫وتورد ال�سرية النبوية �أي�ضاً‪« :‬ان عثمان بن احلويرث َق ِدم على قي�رص الروم‪،‬‬

‫(�أي �إ�ستطاع مقابلة �إمرباطور الروم نف�سه‪ ،‬مع املكانة التي كانت مللك بيزنطة‬ ‫الدولة العظمى يومها)‪ ،‬فتن�صرّ (�أي �صار م�سيحياً) وح�سنت منزلته عنده»(‪.((5‬‬ ‫وهل حت�سن مكانة �إن�سان فرد‪...‬‬ ‫عربي غريب‪...‬‬

‫لدى قي�رص الروم‪ ...‬في�ستقبله يف ق�رصه‪ ...‬ويكرمه‪...‬‬ ‫وهو ملك مملكة عظمى‪...‬‬ ‫لو مل يكن من �أ�سياد قومه‪...‬‬

‫و�إىل جواره جماعة ت�ؤمن بنف�س معتقد قي�رص الروم؟‪...‬‬

‫مع العلم �أن عثمان بن احلويرث الذي كان ي�ؤمن بالديانة امل�سيحية‬ ‫هو من ا�رشاف قري�ش‪،‬‬

‫ومن �أقارب زوجة حممد الأول خديجة‪،‬‬

‫والتي كان �إبن عمها نف�سه هو «ق�س»‪« :‬الق�س ورقة بن نوفل»‪...‬‬ ‫كثري من املفاجئات الروحية والتاريخية تنتظر قرائي الأحباء‬ ‫يف احلقيقة هناك ٌ‬ ‫(‪ ((4‬ال�سرية النبوية – �إبن ه�شام – �ص ‪ – 152‬دار الفكر‪.‬‬ ‫(‪ ((5‬ال�سرية النبوية – �إبن ه�شام – �ص ‪ – 152‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪-36-‬‬

‫يت�ضمنها هذا الكتاب‪...‬‬ ‫من خالل الأبحاث التي‬ ‫ّ‬ ‫فلله الواحد الأحد املث ّلث ال�صفات كل ال�شكر واحلمد‪...‬‬ ‫لأنه هدانا �إىل النور احلقيقي‪...‬‬ ‫وكل من كان من احلق ي�سمع ل�صوت احلق‪...‬‬ ‫ويتبع �إله ال�سالم‪،...‬‬ ‫الله والكلمة والروح الإله الواحد له املجد �إىل الأبد‪...‬‬ ‫وقد نقل لنا �أي�ض ًا اليعقوبي‪ ،‬وهو م�ؤرخ �إ�سالمي قدمي ومعروف‪� ،‬شهادة ثمينة‪،‬‬

‫مكة) فقوم من قري�ش‪ ...‬ويخ�ص‬ ‫�إذ قال‪« :‬و�أما من تن�صرّ من �أحياء العرب (يف ّ‬ ‫العزى‪ .‬ومن (القبائل) التي �أ�صلها من اليمن‪ :‬طيء‬ ‫بالذكر منهم بني �أ�سد بن عبد ّ‬ ‫وغ�سان وخلم»(‪.((5‬‬ ‫وبهراء و�سليح وتنوخ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ق�صة ذات مغزى‪« :‬قال �إبن �إ�سحق‪:‬‬ ‫كما نقلت ال�سرية النبوية البن ه�شام‬

‫واجتمعت (بع�ض قبيلة) قري�ش يف عيد لهم عند �صنم من �أ�صنامهم‪ ...‬فقال‬

‫لهم‪ :‬ورقة بن نوفل وعبيد الله بن جح�ش‪ ...‬وعثمان بن احلويرث وزيد بن‬ ‫عمرو‪ ...‬تع َلموا والله ما قومكم على �شيء لقد �أخط�ؤوا دين �أبيهم �إبراهيم‪ .‬ما‬ ‫حجر نطوف به‪ ،‬وال ي�سمع وال يب�رص‪ ...‬يا قوم والله ما �أنتم على �شيء‪.‬‬ ‫َ‬

‫فتفرقوا يف البلدان يلتم�سون احلنيفية‪»((5(...‬‬

‫�أملثري يف الأمر ب�أن ه�ؤالء الباحثني عن احلنيفية‪،‬‬

‫امل�سيحية بن�ص ال�سرية نف�سها‪...‬‬ ‫قد اهتدوا كلّهم �إىل‬ ‫ّ‬ ‫فتكون «احلنيفية» �إذ ًا بن�ص ال�سرية النبوية نف�سها ت�شري �إىل «امل�سيحية»!!‪..‬‬ ‫ويكمل �إبن ه�شام روايته فيقول‪« :‬ف�أما ورقة بن نوفل فا�ستحكم يف الن�رصانية‬

‫(ولكي ي�ستحكم يف الدين امل�سيحي وي�صري ق�ساً‪ ،‬فهذا يعني �أنه �أم�ضى �سنين ًا يتعلم‬ ‫(‪ ((5‬تاريخ اليعقوبي ‪. 298 /1‬‬ ‫(‪� ((5‬سرية �إبن ه�شام – املجلد الأول – �ص ‪ – 151‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪-37-‬‬

‫امل�سيحي و�أدرك معانيه‪ ،‬وعا�ش‬ ‫و�سبرَ �أعماق الالهوت‬ ‫مبادئ الديانة‬ ‫ّ‬ ‫امل�سيحية َ‬ ‫ّ‬ ‫الكتب من‬ ‫يتخرج �ألق�س�س‪ )...‬واتبع‬ ‫�أي�ض ًا ول�سنوات يف مدر�سة الهوتية‪ ،‬حيث‬ ‫َ‬ ‫ّ‬

‫�أهلها (�أي من �أهل العلم بالهوت الكتاب املقد�س وتف�سريه من �أ�ساقفة وق�س�س‪،‬‬

‫تردد على احلرية عا�صمة الثقافة والأدب‬ ‫تردد) فتعني �أنه ّ‬ ‫تفرق (�أي ّ‬ ‫�أما كلمة ّ‬ ‫والالهوت الن�سطوري حيث تع ّلم يف مدار�سها علم �أهل الكتاب‪ )...‬حتى ع ِلم‬

‫علم ًا من �أهل الكتاب»(‪.((5‬‬

‫وهذا ي�رشح رمبا ملاذا كان للق�س ورقة ت�أثري على حممد ر�سول امل�سلمني‬ ‫املكية‪،‬‬ ‫يف الفرتة ّ‬

‫�إذ ورد يف حديث ل�صحيح البخاري – جزء ‪� 1‬ص ‪ ،2‬التايل‪:‬‬ ‫«ومل يلبث �أن تويف (الق�س) ورقة بن نوفل ففرت الوحي»‪.‬‬

‫وقد �أ�شار ح�سني هيكل �إىل خمالطة ر�سول امل�سلمني لرجال الدين امل�سيحيني‪:‬‬

‫«كان ي�ستمع �إىل خطب اخلطباء‪ ،‬ومن بينهم‪( ...‬الرهبان) الن�صارى الذين كانوا‬

‫ي�أخذون على �إخوانهم العرب وثنيتهم‪ ،‬ويحدثونهم من كتاب عي�سى ومو�سى (�أي‬ ‫املقد�س) ويدعونهم �إىل ما يعتقدونه احلق‪ .‬ويزن (حممد) ذلك مبيزان‬ ‫الكتاب ّ‬ ‫قلبه فرياه خري ًا من هذه الوثنية التي غرق فيها �أهله‪ ...‬وعرف حممد طرق‬

‫عمه �أبي طالب‪ ...‬وتروي كتب ال�سرية �أنه �إلتقى يف هذه الرحلة‬ ‫القوافل مع ّ‬

‫بالراهب بحريا (مرتني)‪ ،»((5(...‬كما ورد �أي�ض ًا �أن «خديجة بنت خويلد»‬

‫عمها الق�س ورقة بن‬ ‫وهي الزوجة الأوىل ملحمد‪« ،‬كانت تلج�أ (�إ�ضافة �إىل �إبن ّ‬

‫ٍ‬ ‫راهب من نينوى يقيم يف الطائف وي ّدعى عدا�س النينوي لت�ستفتيه‬ ‫نوفل) �إىل‬ ‫يف بع�ض ال�ش�ؤون(‪� ،»((5‬أي للإر�شاد الروحي‪.‬‬

‫(‪ ((5‬ال�سرية النبوية البن ه�شام – املجلد الأول – �ص ‪ – 151‬دار الفكر‪.‬‬ ‫(‪ ((5‬ح�سني هيكل‪ :‬حياة حممد �ص ‪.164‬‬ ‫(‪ ((5‬ال�سمهوري‪ ،‬وفاء ‪ ،186 /2‬وال�سرية احللبية ‪.260 /1‬‬

‫‪-38-‬‬

‫مكة‪ ،‬حيث كان‬ ‫تقدم ندرك �أن الديانة‬ ‫امل�سيحية كانت متغلغلة حتى يف ّ‬ ‫من كل ما ّ‬ ‫ّ‬

‫امل�سيحية‬ ‫للم�رشكني الوجود الأهم‪ ،‬ب�سبب «منافع احلج وقرو�شه»‪ ،‬ولكن الديانة‬ ‫ّ‬

‫واليعقوبية ب�شكل خا�ص) كانت قد �أ�س�ست لها كنائ�س موطدة‬ ‫الن�سطورية‬ ‫(بفرقتيها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫العربية‪...‬‬ ‫و�أ�سقفيات منظمة يف باقي �أنحاء اجلزيرة‬ ‫ّ‬

‫ولكن بعد موت ر�سول امل�سلمني حممد‪...‬‬ ‫مت‪...‬‬ ‫مت عليهم ما ّ‬ ‫َّ‬

‫�إختالط امل�سيح ّيني ب�أهل م ّكة‬ ‫مكة‪ ،‬فمحمد عرف ور ّقة وعا�رشه‬ ‫كان هناك �إختالط‬ ‫للم�سيحيني ب�أهل ّ‬ ‫ّ‬ ‫وحاوره يف �أمور الدين امل�سيحي واالجنيل‪ ،‬و�إن ما عرفه حممد من ورقة هو‬

‫�ألفكر الن�سطوري‪ ،‬ففي امل�سيح �أقنومان �أي �شخ�صان فهو �إن�سان عادي َم َثلُه‬

‫مثل �آدم ي�أكل وي�رشب‪ ،‬وهو �شخ�ص �إلهي من حيث هو «كلمته �ألقاها �إىل‬

‫ب�رشية وا�ضحة يف القر�آن الكرمي (ن�ساء‬ ‫مرمي وروح منه»‪ .‬فهذه ال�صفة الغري‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،170‬و�آل عمران ‪ )39‬و�إن كانت من مت�شابه الآيات والتي مل ينتبه حتى �أكابر‬

‫علماء الإ�سالم �إىل وحدة �إنت�سابها ون�سبها مع الكلمة املتج�سد (يوحنا ‪ )14 – 1 /1‬يف‬

‫االجنيل املقد�س‪ ،‬والدالة (�أي هذه ال�صفة االلهية) على م�صدرية الكلمة االلهي‬

‫�أي كالم الله الذي جت�سد ولب�س ج�سد ًا من �أجل خال�صنا‪ ،‬من الله‪...‬‬

‫امل�سيحية يف مكة‪ ،‬ذكر املعامالت التجارية‬ ‫ومن املفيد ملعرفة مدى ت�أثري‬ ‫ّ‬ ‫وامل�صاهرات التي كانت متوا�صلة بني �أهلها ون�صارى قبائل العرب‪« ،‬ف�أبي‬ ‫مكة كان �صهر ًا لب�رش �أخي اكيدر ِ‬ ‫الكندي ملك دومة اجلندل‪ ،‬وكان‬ ‫�سفيان زعيم ّ‬ ‫ُ‬ ‫مكة اخلط العربي»(‪.((5‬‬ ‫كالهما ن�رصانياً‪ ،‬و�أن ُب�رش هو الذي ع َّلم �أهل ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪� ((5‬أنظر كتاب احلرية – املدينة واململكة العربية – يو�سف غنيمة – �ص ‪ – 53‬مطبعة دنكور احلديثة بغداد‬

‫‪-39-‬‬

‫مكة ت�أثري ًا عظيم ًا‬ ‫وان اختالط امل�سيحيني العرب مع باقي القبائل �أ ّثر يف �أهل ّ‬

‫واجتذب كثريين منهم �إىل الدين امل�سيحي‪ .‬ومما ي� ّؤيد ذلك �أن �أبا عامر الراهب(‪.((5‬‬

‫(و�سواء كان �إ�سم عائلته «الراهب» �أو كنيته بـ «الراهب» فكالهما ي�شري �إىل‬ ‫مكة َو�أُ ُحد قد «لقي (�أي واجه) امل�سلمني‬ ‫م�سيحيته) الذي حارب ر�سول امل�سلمني يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف الأحابي�ش وعبدان �أهل مكة» كما روى �إبن ه�شام يف ال�سرية النبوية‪.‬‬

‫�إنت�شار امل�سيحية الن�سطورية‬ ‫ورقة بن نوفل والراهب بحرياء‬

‫تاريخية ثمينة موجودة يف املكتبة‬ ‫تاريخي من خالل خمطوطة‬ ‫لدينا �إثبات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تت�ضمن رد ًا تاريخي ًا والهوتي ًا من الأمري امل�سيحي‬ ‫الوطنية يف باري�س‪،‬والتي‬ ‫ّ‬

‫العربي النجدي عبد امل�سيح الكندي على الأمري عبد الله الها�شمي الذي كان قد‬ ‫دعاه يف ر�سالة �سابقة �إىل اال�سالم‪ ،‬والأمري عبد امل�سيح الكندي ي�ؤكد يف ر�سالته‬ ‫�إنتماء �ألق�س ورقة بن نوفل والراهب بحرياء‪� ،‬إىل الكني�سة الن�سطورية‪،‬‬

‫والفقرة بعنوان‪ :‬عمل الراهب �رسجيو�س (بحريا) وت�أثريه على حممد‪� ،‬إذ يقول‬

‫التايل‪:‬‬

‫«ذلك �أنه كان رجل من رهبان الن�صارى (�أي الن�صاطرى) يعرف ب�رسجيو�س‪،‬‬

‫�أحدث حدث ًا �أنكره عليه �أ�صحابه‪ ،‬فحرموه و�أخرجوه وقطعوه عن الدخول �إىل‬

‫الكني�سة‪ ،‬وامتنعوا من كالمه وخماطبته‪ ،‬على ما جرت العادة منهم يف مثل‬

‫هذا ال�رضب‪ .‬فندم على ما كان منه‪ .‬ف�أراد �أن يفعل فع ًال يكون له به متحي�ص‬ ‫– �سنة ‪.1936‬‬ ‫(‪ ((5‬ال�سرية النبوية البن ه�شام – اجلزء الأول – �رشح الوزير املغربي ‪� -‬ص ‪.562 – 561‬‬

‫‪-40-‬‬

‫وحجة عند �أ�صحابه الن�صارى (الن�صاطرى) ف�صار �إىل بلد تهامة‪ ،‬حتى‬ ‫ذنبه‬ ‫ّ‬ ‫مكة‪ ...‬فلم يزل يتلطّ ف ويحتال ب�صاحبك حتى ا�ستماله‪.‬‬ ‫برية ّ‬ ‫�أف�ضى �إىل ّ‬

‫وت�سمى ن�سطوريو�س وذلك �أنه �أراد بتغيري �إ�سمه‪� ،‬إثبات ر�أي ن�سطوريو�س‬ ‫ّ‬ ‫ويتدين به‪ .‬فلم يزل يخلو به ويكرث جمال�سته وحمادثته‪ ،‬ويلقي‬ ‫الذي كان يعتقده‬ ‫ّ‬ ‫�إليه ال�شيء بعد ال�شيء �إىل �أن �أزاله عن عبادة الأ�صنام‪ ،‬ثم �صيرّ ه داعي ًا وتلميذ ًا له‬ ‫املكية لي�س‬ ‫يدعو �إىل دين (�أي فكر) ن�سطوريو�س (وهذا رمبا ي�رشح ملاذا يف الآيات ّ‬

‫حممد �سوى نذير‪ ،‬ب�شري‪ ،‬و�أنه يجب �أن ال ُيدعى لأح ٍد يف امل�سجد مع الله‪ ،‬و�أن‬ ‫ٌ‬

‫ال قتل بال�سيف‪� ،‬إذ ال �إكراه يف الدين‪ ،‬ولكن بعد موت ورقة والراهب ن�سطور‬ ‫تقدر بن�صف جتارة قري�ش وبعد ف�شل الدعوة‬ ‫وخديجة ووراثة حممد لرثوتها التي ّ‬

‫�إىل الديانة باحل�سنى �ستتغيرّ املبادئ والأولويات و�سي�سعى �إىل الرت�ؤ�س على‬ ‫ع�شريته وبلده (عرب ال�سيف وال�سبي والغزو واملغامن واحلور العني وهذه ك ّلها من‬ ‫�ألذ الأمور على �سكان البادية‪ ،‬وكلنا نعلم ما كانت �أحوال االعراب يف اجلزيرة‬ ‫يف غري مناطق احل�رض حتى �إكت�شاف النفط يف القرن التا�سع ع�رش‪)..‬‬ ‫أح�ست اليهود بذلك نا�صبته العداوة‪ ،‬فطالبته بال�سبب القدمي (�أي العداء)‬ ‫فلما � ّ‬

‫ّ‬ ‫يرتقى به الأمر �إىل �أن بلغ‬ ‫الذي بينهم وبني الن�صارى (الن�صاطرى)‪ .‬فلم يزل‬ ‫والذب (الدفاع)‬ ‫ما بلغ‪ .‬فهذا �سبب ما يف كتابه من ذكر امل�سيح والن�رصانية‬ ‫ّ‬

‫مودة‪ ،‬و�أن منهم ق�سي�سني‬ ‫عنها‪ .‬وتزكية �أهلها وال�شهادة لهم �أنهم �أقرب‬ ‫ّ‬

‫ورهبان ًا و�أنهم ال ي�ستكربون (‪ .)25 /5‬فلما قوي الأمر بالن�رصانية (الن�سطورية)‬ ‫أح�س مبا كان‬ ‫يتم‪ ،‬تويف ن�سطوريو�س‪ ...‬وكان علي بن �أبي طالب قد � ّ‬ ‫وكاد ّ‬

‫ن�سطوريو�س الراهب عليه‪ ،‬لأن علي ًا كان �صغري ًا وقتما �صحبه �إ ّال �أنه �أوعز‬ ‫�إليه �أال يعلم �أحد ًا مبو�ضعه‪ ،‬وال يطلع �أحد ًا مبو�ضعه‪ ،‬وال يطلع عليه �أحد ًا من‬ ‫‪-41-‬‬

‫علي منهما (�أي من حممد والراهب ن�سطور) ذلك ل�صغر �سنه وقلّة‬ ‫�أهله‪ .‬فقبل ّ‬

‫جتربته»(‪.((5‬‬

‫نعم‪،‬‬ ‫العم‪ ...‬خديجة وزوجها‪..‬‬ ‫�إن �إبنة َ‬

‫كانا الأوىل باهتمام وتعليم �ألق�س والكاهن وراعي النفو�س ورقة بن نوفل‬ ‫عم ًال ب�أحكام االجنيل املقد�س الذي يقول(‪:((5‬‬ ‫«من ال يعتني ب�أقربائه‪ ،‬وخ�صو�ص ًا �أهل بيته‪� ،‬أنكر الإميان‬ ‫وهو �أ�سو�أ من غري امل�ؤمن (�أي من الكافر)»‬ ‫و�إال كان خا�رس ًا‬ ‫دينه ودنياه‪...‬‬ ‫لذلك �صدق �صحيح البخاري حني �أورد‪:‬‬ ‫«ومل يلبث �أن تويف ورقة ففرت الوحي» (جزء ‪� / 1‬ص ‪)2‬‬ ‫ملدة �سنتني‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫قريب له يومني‪� ...‬أ�سبوعني‪� ..‬شهرين‪..‬‬ ‫قد يحزن �أحدنا على‬ ‫ولكن �أن يفرت الوحي عن ر�سول امل�سلمني مدة �سنتني‪..‬‬ ‫فيا لعمق هذه العالقة الروحية املتينة وامل�ؤ ّثرة‬ ‫التي تربط حممد ًا بالق�س ورقة‬ ‫والتي َجعلت الوحي القر�آين يفرت‪ ،‬وينقطع نبع �إلهامه وم�صدره‪...‬‬ ‫(‪� ((5‬أنظر خمطوطة احلوار الديني الذي جرى بني الأمري عبد الله الها�شمي والأمري عبد امل�سيح الكندي يف‬ ‫حم�رض اخلليفة امل�أمون ‪ 834 – 813‬م‪ ،‬و�إن �أقدم خمطوطة عن هذا احلوار موجودة يف املكتبة الوطنية يف‬ ‫باري�س – فرن�سا وهي تعود �إىل �سنة ‪ ،1173‬وهي حتت رقم ‪ 204‬و‪� – 205‬ص ‪.97‬‬ ‫(‪ 1 ((5‬تيموتاو�س ‪.8 /5‬‬

‫‪-42-‬‬

‫«علي بن �أبي طالب وناقو�س �ألدير»‬

‫(‪((6‬‬

‫«ح ّدث حممد بن مو�سى ال�سكري عن �أحمد بن عبد الرحمن‪ .‬قال ح ّدثني �أبي‬

‫كرم الله وجهه‬ ‫عن �إبن الكواء قال كنت مع �أمري امل�ؤمنني علي بن �أبي طالب ّ‬ ‫وكان يف نفر من �أ�صحابه بظاهر احلرية‪� ،‬إذ �سمعنا �صوت الناقو�س ي�رضب‬

‫فجعلت �أتع�سه (�أي ت�ضايق �إبن الكواء من �صوت اجلر�س)‪.‬‬

‫فقال (له علي)‪�« :‬صه يا �إبن الكواء لأنك ال تدري ما يقول الناقو�س»‪.‬‬ ‫فقلت يا �أمري امل�ؤمنني‪« :‬الناقو�س يتكلّم»؟‬ ‫احلبة وبر الن�سيمة ما من �رضبة تقع على �رضبة‬ ‫فقال (علي)‪« :‬والذي َفلَق ّ‬ ‫وال نقرة على نقرة �إ ّال وهي حتكي مث ًال وت�ؤدي علماً»‪.‬‬ ‫قلت (له)‪« :‬فما يقول الناقو�س»‪.‬‬ ‫قال (علي)‪« :‬يقول (الناقو�س) �سبحان الله ح ّق ًا ح ّقاً‪.‬‬ ‫�إن املوىل فرد يبقى يحكم فينا رفق ًا رفق ًا‬ ‫لوال حكمه كنا ن�شقى �أ ّنا بعنا دار ًا تبقى‬ ‫حي فيها يبقى‬ ‫وا�ستوط ّنا دار ًا تفنى ما من ّ‬ ‫�أدنى منه موت ًا �إن الدنيا قد غرتنا وا�ستغوتنا وا�ستهوتنا‬ ‫يوم مي�ضي عنا �إال يهدم منا ُركن ًا‬ ‫ما من ٍ‬ ‫ال دفن ًا دفناً‪.‬‬ ‫ال نق ً‬ ‫تفنى الدنيا قرن ًا قرن ًا نق ً‬ ‫ال‬ ‫ال مه ً‬ ‫يا ابن الدنيا مه ً‬ ‫فازهد خري ًا تزدد حب ًا يا موالنا‬ ‫قد �أ�رسفنا قد �أفرطنا وتوانينا‬ ‫حكمك ع ّنا قد �أجز�أنا فتداركنا واعف ع ّنا»‬ ‫يا لهذا الكالم العفوي اجلميل‪...‬‬

‫ال عن كتاب احلرية املدينة واململكة ‪ -‬الأ�ستاذ يو�سف رزق الله غنيمة – بغداد �سنة ‪.1936‬‬ ‫(‪ ((6‬نق ً‬

‫‪-43-‬‬

‫فع ًال �إننا نعجب ل�رسعة جواب علي بن �أبي طالب‪...‬‬ ‫وجلمال كالمه وبالغته‪...‬‬

‫نظن �أن ثقافة علي بن �أبي طالب مل ت� ِأت من فراغ‪..‬‬ ‫وطبع ًا ّ‬ ‫�س‪ ..‬ومدر�سةٍ‬ ‫مدر ٍ‬ ‫بل من ّ‬ ‫علم ل�سنني‪»...‬‬ ‫وتلقي ٍ‬

‫المة ال�سيد هبة الدين احل�سيني ال�شهر�ستاين عن حقيقة هذا الكالم‬ ‫ويقول الع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫جواب‬ ‫املن�سوب �إىل الإمام �أمري امل�ؤمنني علي بن �أبي طالب (ع) يف الناقو�س يف‬ ‫له على الأ�ستاذ يو�سف غنيمة‪« :‬قد جاء يف كتاب د�ستور معامل احلكم املطبوع‬ ‫مب�رص �سنة ‪ 1332‬هـ ت�أليف الإمام القا�ضي �إبن عبد الله حممد بن �سالمة الق�ضاعي‬

‫املتويف �سنة ‪ 454‬هجرية ويف �صفحة ‪ 133‬ما لفظه‪:‬‬

‫«مر علي (ع) ومعه احلارث الأعور ف�إذا ديراين (�أي راهب) ي�رضب بالناقو�س‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فقال علي (ع)‪ :‬يا حارث �أتعلم ما يقول هذا الناقو�س»‪.‬‬ ‫قال (احلارث)‪« :‬الله ور�سوله و�إبن عم ر�سوله �أعلم»‬ ‫قال (علي)‪�« :‬إنه ي�صف مثل خرائب الدنيا يقول‪:‬‬ ‫ال �إن الدنـيــا‬ ‫ال مهــ ً‬ ‫ال يا ابن الدنيــا مهــ ً‬ ‫ال مه ً‬ ‫مه ً‬ ‫وا�ســتهوتنــا ل�ســنا ندري مـا فرطـنــا‬ ‫غرتنـا‬ ‫قــد‬ ‫ّ‬ ‫يوم مي�ضـي عـ ّنـا‬ ‫ما من‬ ‫فيـهــا �إال �أن قــد متـنـــا‬ ‫ٍ‬ ‫ه����دت م��ن��ا رك��ـ��ن��ـ�� ًا‬ ‫ال‬ ‫�إ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِز ُن ما ت�أتي ِز ُن ما ت�أتــي‬ ‫ِز ُن ما ت�أتي ِز ُن ما ت�أتي‬ ‫تفـنـى الدنيـا قرنـــ ًا قرنــ ًا‬ ‫وزن ًا وزن ًا وزنــ ًا وزنــ ًا‬ ‫يا ابن الدنيا �سرَ ُ ط ًا �سرَ ُ ط ًا‬ ‫يا ابن الدنيا جمع ًا جمعـ ًا‬ ‫�إال �أثـقــل مـنــا ظــهـــــر ًا‬ ‫ما من يوم مي�ضي عنـــا‬ ‫ال ُبهــمـ ًا‬ ‫َخبرّ نــا‬ ‫�إن املـولــى قــد‬ ‫حـ�شـــر ُغــر ً‬ ‫�إنا ُن َ‬ ‫ُ‬ ‫وا�ســتــوطنـا دار ًا تـفــنـى»‪.‬‬ ‫�ضيعــنا دار ًا تـبـقــى‬ ‫قـد‬ ‫ّ‬ ‫‪-44-‬‬

‫�إن العربة الروحية‪ ،‬من هذه احلادثة الروحية املعبرّ ة‪،‬‬ ‫هي يا ليت بع�ض �أويل الأمر من ملوك ور�ؤ�ساء و�أئمةٍ دين‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫يتعلمون من علي بن �أبي طالب �إبن عم ر�سول امل�سلمني‬ ‫و�أقرب مقربيه‪� ،‬إكرام النواقي�س‪...‬‬

‫في�سمحون ببناء الكنائ�س يف دول اجلزيرة العربية‬

‫وبالد امل�رشق واملغرب العربي ويف بالد فار�س‪...‬‬ ‫دون �أي مانع �أو ترهيب‬

‫لتوجد عندها نواقي�س تقرع‪...‬‬

‫«�رضبة على �رضبة» و«نقرة على نقرة»‬

‫«فتحكي مث ًال روحي ًا وت�ؤدي علم ًا �إلهياً‪»...‬‬ ‫ولي َ�س ّبح املوىل الفرد الأحد‬ ‫ُ‬

‫املثلث ال�صفات حق ًا حق ًا حقاً»‪.‬‬

‫«الروح القد�س» «الهادي الأعظم»‬ ‫ً‬ ‫املقد�س)‬ ‫و(لكن) كالم املعرفة جوهرة‬ ‫موجود‪...‬‬ ‫«�ألذهب‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫كرمية»‪( .‬الكتاب ّ‬

‫(‪((6‬‬

‫احلق كلّه»‪( .‬االجنيل املقد�س)‬ ‫احلق �أر�شدكم �إىل‬ ‫روح‬ ‫«متى جاء‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬

‫(‪((6‬‬

‫بامل�سيحيني‬ ‫تيارات التطرف‬ ‫والتع�صب‪ ،‬وما َيحلّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عندما ترى تعاظم ّ‬ ‫العرب وبكل املعتدلني يف هذا ال�رشق اجلريح‪� ،‬أ�ضف �إىل ذلك مقدار الدمار‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫غالية على قلب الله‬ ‫بنفو�س‬ ‫والكراهية واملوت الأر�ضي والأبدي الذي يع�صف‬ ‫وكلّ �إن�سان محُ ب‪ ،‬ال ميكنك عندها �أن ت�أخذ موقف «الالمبايل»‪ ،‬فال�ساكت‬ ‫«�رشير مبلّ�س»‪...‬‬ ‫عن احلق �شيطان �أخر�س‪ ،‬والطام�س للتاريخ ال�صحيح‬ ‫ٌ‬

‫(‪� ((6‬أمثال ‪.15 /20‬‬ ‫(‪ ((6‬يوحنا ‪.13 /16‬‬

‫‪-45-‬‬

‫جمة‪ ،‬وم�صادر‬ ‫فخالل كتابتي لهذا الكتاب التاريخي والروحي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫واجهت �صعاب ًا ّ‬

‫نادرة‪ ،‬و�أبحاث ًا �شاقة‪ ،‬بحيث �أنني كنت �أ�شعر �أحيان ًا كما لو �أنني �أبحث عن جوهرة‬ ‫ً‬ ‫مفقودة‪ ،‬و�سط �أكوام من «�ألق�ش الفكري» املليء بالكذب والتناق�ضات والأ�ساطري‬ ‫ٍ‬ ‫�صدق �أ�شهر ًا بكاملها‬ ‫واملغلوطات التاريخية املد�سو�سة‪ ...‬لقد �أم�ضيت وبكل‬

‫جال�س ًا �إما يف داخل مكتبة اجلامعة الي�سوعية �أو يف غريها(‪ ،((6‬حيث توجد ع�رشات‬

‫واحلق ُيقال ال توجد «مكننة» �أو «برجمة‬ ‫وال�شيقة‪ ،‬ولكن‬ ‫�آالف الكتب القدمية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫حديثة» تقدر من خاللها وبوقت وجيز‪ ،‬طلب �إ�سم مو�ضوع ما لتجد الكتب التي‬

‫تفي بالغر�ض املق�صود‪...‬‬

‫كان هدف بحثي الو�صول �إىل خيوط تاريخية قدمية و�شبه مندثرة‪ ،‬عن الوجود‬

‫امل�سيحي يف اجلزيرة العربية �إىل ما بعد جميء اال�سالم‪� ،‬إ�ضافة �إىل حاجتي �إىل‬

‫معرفة م�صري املمالك العربية امل�سيحية التي كانت موجودة حني ن�شوء الإ�سالم‬ ‫الردة‪...‬‬ ‫والفرتة التي تلت موت حممد‪� ،‬أي فرتة حروب ّ‬

‫التدخالت العجيبة التي مل�ست يد ًا‬ ‫يف احلقيقة ال ميكنني «ال�سكوت» عن‬ ‫ّ‬ ‫للرب فيها‪ ،‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬وبعد �أن وجدت (كتاب) «خمطوطة» «ت�أريخ‬ ‫ّ‬ ‫للرحالة «�إبن املجاور» املتويف‬ ‫امل�ستب�رص» – «�صفة بالد اليمن واحلجاز ومكة»‬ ‫ّ‬ ‫�سنة ‪ 1297‬م‪ ،‬والتي ال يوجد �سوى ن�سخة وحيدة عنها يف �إحدى اجلامعات‬ ‫العريقة‪ ،‬ا�ستطعت عن طريق «�أحليلة» ت�صوير غالفها وال�صفحات التي ت�شري �إىل‬

‫امل�سيحيني يف جنران وجزيرة �سقطرى اليمنية لغاية‬ ‫وجود «الن�صارى الك ّفار» �أي‬ ‫ّ‬

‫تقدر‬ ‫ت�شكل‬ ‫�أواخر القرن الثالث ع�رش‪ ،‬وهذه املخطوطة الفريدة ّ‬ ‫ً‬ ‫جوهرة نادرة ال ّ‬ ‫(‪ ((6‬لقد كانت لدي معلومات تاريخيّة جمعتها خالل سني إقامتي في فرنسا حين تر ّددت مراراً وتكراراً إلى‬ ‫المكتبة الشرقية التابعة لجامعة السوربون والمكتبة الوطنية في باريس ومكتبة بومبيدو – باريس‪ ،‬حيث‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫إضافة إلى ما وجدته في مكتبة الفاتيكان حين زيارتي‬ ‫اطلعت على مراجع ومخطوطات قديمة ونادرة‪.‬‬ ‫إليطاليا منذ خمس سنوات‪...‬‬

‫‪-46-‬‬

‫بثمن‪ ،‬ملا تت�ضمنه من حقائق مطمو�سة عن جمرى املعارك التي ح�صلت واملجازر‬

‫واملروية‬ ‫بحق امل�سيحيني‪ ،‬كما يتبينّ من م�ضمون الأ�شعار املتب ّقية‬ ‫التي ارتكبت ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف اليمن يف تلك الفرتة حول املجازر وكرثة الدمار والتهجري الذي ح�صل بحق‬ ‫الردة ويف فرتات �أخرى �سابقة لتدوينات هذا امل�ؤرخ‬ ‫امل�سيحيني اليمنيني يف حروب ّ‬ ‫والرحالة امل�سلم �إبن املجاور‪.‬‬ ‫ّ‬

‫«وبحق جداً‪....‬‬ ‫وحيث �أن الأبحاث كانت م�ضنية‪ ..‬والكتابة كانت متعبة‬ ‫ّ‬ ‫ترددي ٍ‬ ‫ملدة‬ ‫مرت �شهور و�أنا غارق يف املطالعة يف منزيل‪ ...‬وبعد ّ‬ ‫جداً‪� .‬إذ ّ‬

‫الي�سوعية وبعد �أن ا�شرتيت العديد من املراجع‬ ‫طويلة �أي�ض ًا �إىل مكتبة اجلامعة‬ ‫ّ‬ ‫التاريخية القدمية والنادرة من خالل �أحد الأ�شخا�ص الذي ميتهن �رشاء الكتب‬ ‫والقيمة والذي له عالقات جتارية وثيقة (ملا يف ذلك من ربح مادي) مع‬ ‫النادرة‬ ‫ّ‬

‫جتار كتب قدمية يف اجلزيرة العربية ودول امل�رشق العربي(‪.((6‬‬

‫قررت �أن �أوقف �أعمال البحث‬ ‫وبعد �أن �إمتلأت ذاكرتي من كرثة املطالعات‪ّ ،‬‬

‫يتطرق‬ ‫كتابي اجلديدين‪ ،‬والتي مل‬ ‫«املادة» التي يدور حولها م�ضمون‬ ‫عن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ملت عليهما‪:‬‬ ‫�أحد �إىل املو�ضوعني اللذين َع ُ‬ ‫امل�سيحية يف اجلزيرة العربية لغاية القرن الثالث ع�رش‪.‬‬ ‫‬‫ّ‬ ‫امل�سيحية بعد جميء اال�سالم‪...‬‬ ‫الكندية‬ ‫ م�صري املمالك‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرب هو �أنه حني يعمل يف �سبيل �إعالء �إ�سم �إلهه‬ ‫�أجلميل يف عمل خادم‬ ‫ّ‬ ‫ون�رش �إجنيله الطاهر‪ ،‬وي�سعى �إىل ت�أريخ �إنت�شار ب�شارته وعمل ر�سله وقدي�سيه‬

‫الأقدمني‪ ،‬وم�صري �شهدائه املن�سيني‪ ،‬هو �أن الله احلقيقي املثلث ال�صفات‪،‬‬

‫ي�ؤازرك يف الأوقات التي يعجز فيها �أي تدخل ب�رشي على م�ساندتك‪ ،‬فت�شعر‬ ‫(‪ ((6‬حلب – سوريا مكان مهم يمكن االستحصال منها على مخطوطات وكتب قديمة‪ّ ،‬‬ ‫مكة‪ ،‬بغداد‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪-47-‬‬

‫الرب يرافق العمل الروحي الذي تقوم به بغية ن�رش‬ ‫عرب ال�صدف الغريبة �أن‬ ‫ّ‬ ‫امل�سيحية التي ذبحت �أو‬ ‫�إجنيله وف�ضح التاريخ املطمو�س عن م�صري جماعاته‬ ‫ّ‬

‫ُهجرت وكيفية ا�ست�شهاد م�ؤمنيه القدي�سني‪...‬‬

‫لذلك �أجد نف�سي م�ضطر ًا �أن �أ�شهد على ال�صدف العجيبة التي �شعرت بالروح‬

‫القد�س «روح احلق» (يوحنا ‪ )13 /16‬يع�ضد من خاللها هذا العمل الروحي‪.‬‬

‫فكما هو معروف � ّأن الدخول �إىل املكتبات اجلامعية العريقة‪ ،‬يفر�ض ر�سم ًا‬

‫مالي ًا وتاريخ ًا حمدد ًا لال�شرتاك‪ ،‬فبعد مرور � ٍ‬ ‫أ�شهر من ترددي على �إحدى‬ ‫املكتبات‪ ،‬ت�شاء ال�صدف �أنه وبعد �أن م�ضى �أ�شهر على �أبحاثي‪ ،‬كان ينق�صني‬ ‫جوابني على �س�ؤالني تاريخيني راودا عقلي التائق للمعرفة‪ ،‬ومل �أجد لهما‬

‫جواباً‪...‬‬

‫ال�س�ؤال الأول‪ :‬ما كان م�صري مملكة كندة يف ح�رضموت؟‪...‬‬ ‫مع الإ�شارة �إىل �أن �أهم امل�ست�رشقني ومنهم نينا فيكتورفنا بيغوليف�سكيا وج‪.‬‬

‫�أولندر مل ي�ستطيعوا حتديد كيفية �إنتهاء مملكة كندة امل�سيحية يف ح�رضموت –‬

‫اليمن بعد جميء الإ�سالم‪...‬‬

‫ال�س�ؤال الثاين – هل �صحيح ما �أورده امل�ؤرخ امل�سلم �أبو ريحان البريوين‬

‫يف كتابه الآثار الباقية‪ ،‬من �أن الأمري روح القري�شي (‪� )+ 800‬إبن عم اخلليفة‬ ‫امل�سيحية ومات �شهيد ًا (للم�سيح)‪ ،‬و�أنه كان‬ ‫هارون الر�شيد‪ ،‬قد �إهتدى �إىل‬ ‫ّ‬ ‫تكرمه الكنائ�س قدمي ًا يف ال�رشق؟‪...‬‬ ‫قدي�س ًا ّ‬

‫وهكذا وبعد �أن م�ضت الأ�شهر و�أنا �أبحث و�أبحث وكنت قد وجدت من‬

‫املن�سية وال�ضائعة ما وجدت‪ ،‬ولكن لعدم و�صويل �إىل �أي مرجع‬ ‫احلقائق‬ ‫ّ‬ ‫تاريخي وديني يجيب عن �س�ؤايلَّ هذا‪...‬‬ ‫‪-48-‬‬

‫�إرت�أيت �أنه ب�سبب مرور زمن طويل على ترددي �إىل تلك املكتبة الكبرية‬

‫وحيث �أنه كان قد تبقّى يل �ساعتان فقط ال غري‪ ،‬قبل �أن ينتهي «اال�شرتاك»‬ ‫الذي كان ي�سمح يل بدخول مكتبة تلك اجلامعة‪...‬‬

‫ولأنني �أنهكت ب�سبب كرثة القراءة والبحث‪.‬‬ ‫قررت �أن �أرتاح لب�ضعة دقائق و�أن �أ�ص ّلي و�أ�س ّلم كل هذا العمل‬ ‫للروح القد�س �إله احلقيقة وامل�ؤمتن الرئي�سي على عمل الب�شارة‬ ‫يرد على هذين ال�س�ؤالني‪،‬‬ ‫طالب ًا منه �أن ّ‬ ‫اللذين ال يربحا ذهني؟‬ ‫و�أذكر من �صالتي ال�شخ�صية ال�صغرية التايل‪:‬‬ ‫يا روح الله القدو�س‪،‬‬ ‫هذا العمل هو عملك‪،‬‬ ‫فيا رب انق�ضت الأيام والأ�شهر‪ ،‬و�أنا تعبت من كرثة البحث والكتابة‪،‬‬ ‫«فيا روح احلق» �إن هذين ال�س�ؤالني‪:‬‬ ‫معرفة ق�صة �إ�ست�شهاد هذا القدي�س القري�شي(‪،((6‬‬ ‫وما كان م�صري امل�سيحيني الكنديني يف مملكة كندة اليمن‪،‬‬ ‫ف�أنت الوحيد الذي يعرف مكان وجود اجلواب عليهما؟‬ ‫فتدخل الآن يا رب‪ ،‬و�أر�شدين �إىل احلقيقة اخلافية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لأن جمهودي الب�رشي قد ف�شل‪...‬‬ ‫�أظهر يل يا رب احلقيقة‪،‬‬ ‫وتدخل �إن كان هذا الأمر يوافق مقا�صدك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتريد ن�رش ما �آل �إليه م�صريهم‪،‬‬ ‫رب ُقدتني �إىل هذه الأبحاث‪،‬‬ ‫ف�أنت يا ّ‬ ‫من خالل الكم الكبري من ال�صدف الإلهية التي عاينتها‬ ‫(‪ ((6‬إنه من قبيلة قريش‪ ،‬ومن البديهي أن يكون شفيع قريش ّ‬ ‫ومكة نفسها‪...‬‬

‫‪-49-‬‬

AL MASIHYOUN fi Al Jazira Al Arabia2.pdf

Whoops! There was a problem loading more pages. Retrying... AL MASIHYOUN fi Al Jazira Al Arabia2.pdf. AL MASIHYOUN fi Al Jazira Al Arabia2.pdf. Open. Extract. Open with. Sign In. Main menu. Displaying AL MASIHYOUN fi Al Jazira Al Arabia2.pdf.

1MB Sizes 13 Downloads 458 Views

Recommend Documents

Al Munjid fi al Lughah wa al I'lam by Louis Ma'luf.pdf
Al Munjid fi al Lughah wa al I'lam by Louis Ma'luf.pdf. Al Munjid fi al Lughah wa al I'lam by Louis Ma'luf.pdf. Open. Extract. Open with. Sign In. Main menu.

Umar Tilmisani - Hasan Al Banna Al Mulham Al Mauhub.pdf ...
Umar Tilmisani - Hasan Al Banna Al Mulham Al Mauhub.pdf. Umar Tilmisani - Hasan Al Banna Al Mulham Al Mauhub.pdf. Open. Extract. Open with. Sign In.

AL-MAJALLA-AL-AHKAM-AL-ADALIYYAH-The ...
... (2 of 7) [12/31/2000 4:28:45 PM]. Page 3 of 224. AL-MAJALLA-AL-AHKAM-AL-ADALIYYAH-The-Ottoman-Courts-Manual-Hanafi.pdf.

al adab al mufrad.pdf
Page 3 of 182. al adab al mufrad.pdf. al adab al mufrad.pdf. Open. Extract. Open with. Sign In. Main menu. Displaying al adab al mufrad.pdf. Page 1 of 182.

Menu al ahd al gaded.pdf
یـمـكـن بـشـوربـھ الـفـراخ او بـشـوربـھ الـلـحـمـھ او بـشـوربـھ الـبـط. Page 3 of 13. Menu al ahd al gaded.pdf. Menu al ahd al gaded.pdf. Open. Extract. Open with.

fi sc al y ea rs COMPREHENSIVE ANNUAL
Awards. The Government Finance Officers Association of the United States and Canada (GFOA) awarded a Certificate of ...... Bank balances up to $250,000 were covered under the Federal Deposit Insurance Corporation. (FDIC) for the years ended ...... A+

Ansar al-Islam Ansar al Islam
members were Arab veterans of the Afghanistan War. • JI was a combination of at least three Islamists factions that splintered .... Command Structure ... Iraqi Military and Security Services ..... not only destabilize the democratic transition.

pdf-1820\shredderman-arabic-edition-al-haqiqa-wara-al ...
... of the apps below to open or edit this item. pdf-1820\shredderman-arabic-edition-al-haqiqa-wara-al-fatak-secret-identity-by-wendelin-van-draanen.pdf.

Norhidayat_Metode Ta'wil al-Quran Menurut Imam al-Ghazali.pdf ...
Norhidayat_Metode Ta'wil al-Quran Menurut Imam al-Ghazali.pdf. Norhidayat_Metode Ta'wil al-Quran Menurut Imam al-Ghazali.pdf. Open. Extract. Open with.

Asbab Nazool e Quran By Abu Al Hasan Ali Bin Ahmad Al Wahdi Al ...
Asbab Nazool e Quran By Abu Al Hasan Ali Bin Ahmad Al Wahdi Al Neshapuri.pdf. Asbab Nazool e Quran By Abu Al Hasan Ali Bin Ahmad Al Wahdi Al ...

Lecture Ludhiana - Al Islam
course not; for this indeed is the work of Almighty God who has always shown ..... Since the aforesaid verse of the Holy Qur'an had cate- gorically spelled out that ...

T al -
Page 1. l! :_T al. _.*L._.r f*K t1. _.* l. --i i.

Al-Falih_Hisham.pdf
... campaign video on behalf of. ASAS. www.canarymission.org. 1/5. Page 1 of 5 ... vigil was meant to memorialize. The. www.canarymission.org. 2/5. Page 2 of 5 ...

Micallef et al. 2008
National Oceanography Centre, University of Southampton, European Way, Southampton, SO14 3ZH, ... 8100±250 cal yrs BP (Haflidason et al., 2005), the ... veyed using state-of-the-art acoustic imaging techni- ...... Freeman, San Francisco.

M. Thohar al-Abza_KONTEKSTUALITAS AL-QUR.pdf
There was a problem loading more pages. Retrying... M. Thohar al-Abza_KONTEKSTUALITAS AL-QUR.pdf. M. Thohar al-Abza_KONTEKSTUALITAS AL-QUR.

Al Futuhat Al Makkiyya 4 - Muhyiddin Ibn Arabi.pdf
Al Futuhat Al Makkiyya 4 - Muhyiddin Ibn Arabi.pdf. Al Futuhat Al Makkiyya 4 - Muhyiddin Ibn Arabi.pdf. Open. Extract. Open with. Sign In. Main menu. Displaying ...

Al-Ushul min Ilmil Ushul - Syaikh Al Utsaimin.pdf
selama bukan untuk tujuan komersial. Page 3 of 142. Al-Ushul min Ilmil Ushul - Syaikh Al Utsaimin.pdf. Al-Ushul min Ilmil Ushul - Syaikh Al Utsaimin.pdf. Open.